توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أمل بلا أمل

  مصر اليوم -

أمل بلا أمل

بقلم : داليا شمس

المفارقة أن زياد كلو، المحامي الفرنسي الذي تنتمي أمه لعائلة صنبر الفلسطينية، اكتشف انهيار حل الدولتين في العام نفسه الذي توفي فيه الشاعر محمود درويش، بل بعدها بأيام. وكان درويش هو من كتب وثيقة إعلان استقلال دولة فلسطين في نوفمبر 1988 (للمرة الثانية، فالأولى كانت عام 1948) ووافقت من خلالها منظمة التحرير الفلسطينية أن تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل، على 22% فقط من أراضيها التاريخية، وحددت القدس عاصمة أبدية لهذه الدولة.

يروي زياد كلو في كتابه "لن تكون هناك دولة فلسطينية"، الذي صدر بالفرنسية في 2010 عن دار نشر ماكس ميلو، كيف تبدد الأمل في إنشاء دول فلسطينية مستقلة، في ظل سياسات الاحتلال وإقامة المستوطنات، مع استمرار مفاوضات سلام غير جدية، وظيفتها أن تعطي انطباعا دوليا أن هناك تحسن، في حين ما يحدث على الأرض غير ذلك. الوضع معقد. وأصعب شيء هو أن يغذي بعض المسؤولين أملا لدى الناس وهم يعرفون أن الدولة صارت بلا أمل، لذا يأتي ذكر الأمل وفقدانه مرات ومرات في الكتاب. أراد كلو أن يدلي بشهادته كأحد من شاركوا في مفاوضات أنابوليس بصفته مستشارا قانونيا مكلفا بدراسة ملف اللاجئين، ضمن فريق المفاوضين الفلسطينيين برئاسة صائب عريقات، وتحديدا كان ضمن فريق وحدة دعم المفاوضات الذي تموله جهات غربية بهدف تشجيع استئناف مفاوضات الوضع الدائم.

قضى سنة في رام الله بسبب عمله في الفترة ما بين يناير 2008 ويناير 2009، متجولا بين حدود فلسطين وإسرائيل. راح يبحث عن بيت جده في حيفا، تساوره مشاعر فياضة ومتناقضة، فهو كالعديد من فريق عمل مشروع وحدة دعم المفاوضات كان له جذور هنا، وعلى هذه الأرض تصبح ذكريات والدته حقيقة مُرة، و قد حٌمل بها عبر سنوات عمره الثلاثين.

***
كانت فلسطين في حالة حداد بسبب رحيل محمود درويش في 19 أغسطس 2008، وتيقن وقتها زياد كلو من انهيار حل الدولتين وحلم عودة اللاجئين، مع ذهاب من قال: " نعاني من مرض عضال اسمه الأمل"، الأمل في أن يكون الفلسطينيون بشرا عاديين، لا ضحايا ولا أبطال. وقال أيضا: "هنا، عند منحدرات التلال، أمام الغروب وفوهة الوقت، قرب بساتين مقطوعة الظل، نفعل ما يفعله السجناء، وما يفعله العاطلون عن العمل، نربي الأمل"، وفي موضع آخر قال: "هل في وسعي أن أختار أحلامي، لئلا أحلم بما لا يتحقق". أبيات درويش تتدافع إلى رأس كل من يقرأ الكتاب، خاصة أنه رفض مبكرا تأييد إعلان مبادئ أوسلو، وقدم استقالته من عضوية المكتب التنفيذي لمنظمة التحرير الفلسطينية، لأنه كان يعرف أن نص الاتفاق غامض ويخدم الأقوى أي الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما حدث بالفعل وما نتأكد منه يوما تلو الآخر، خاصة بعد قدوم إدارة ترامب وقرب الإعلان عن ما يسمى "صفقة القرن".

***
عاودت قراءة زياد كلو في ظل الأحداث الجارية، وفهمت أكثر لماذا فضل الحديث عن دولة واحدة ثنائية القومية في إسرائيل والضفة وقطاع غزة، يكون فيها للسكان العرب واليهود حقوق متساوية كمواطنين، ولماذا يرفض هذا الحل أطراف من الجانبين. يفصل كلو كيف لم يعد هناك أرض ولا ماء لحل الدولتين الذي تمحورت حوله مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية منذ اتفاقية أوسلو، ويدخلنا إلى كواليس التفاوض فيشرح أن ما كان يقال في العلن حول وقف التفاوض خلال الحرب على غزة كان مجرد تصريحات للاستهلاك الإعلامي، والحال نفسه بالنسبة لملف اللاجئين الذي لم يكن يرغب أحد في توليه. 

لا يدين المؤلف بوضوح السلطة الفلسطينية وإن كان يفعل بشكل غير مباشر، مع تفهم صعوبة الضغوطات والمسائل المادية التي تسمح بوجودها وبتلبية مطالب شعب، لكنها تعطي أملا كاذبا وتشارك في لعبة المجتمع الدولي، وإن كان بعض أفرادها يحاولون تصديق بريق الأمل الذي يصفه الكاتب "بالملهاة أو العرض المسرحي"، وقد قرر ألا يكون ضمن من يشاركون فيه فاستقال. 

لم يستطع إتباع فلسفة اللامبالاة التي يقول عنها محمود درويش "إنها صفة من صفات الأمل"، لكنه جعلنا نتجول معه في ربوع فلسطين التي لا نستطيع زيارتها، وندلف إلى كواليس مفاوضات محبطة ونسرح في تناقضات السلطة ونترحم على محمود درويش الذي تحل ذكراه بعد أقل من شهر.

نقلًا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمل بلا أمل أمل بلا أمل



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon