توقيت القاهرة المحلي 05:51:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كاتم سر الفطر

  مصر اليوم -

كاتم سر الفطر

بقلم : داليا شمس

فقط هم وكلابهم. يتبعون شغفهم. الفيلم التسجيلى «صائدو الكمأ» (The Truffle Hunters) يرسم علاقة خاصة جدا تربط صيادى هذا النوع النادر من الفطر البرى بكلابهم المدربة التى تشم رائحته عن بعد، فتدل صاحبها على مكانه تحت الأرض، بعمق من 1 إلى 15 سنتيمترا. الفيلم يأخذنا بعيدا عن أجواء الكورونا والانتخابات الأمريكية، نذهب إلى غابات منطقة توسكانا الإيطالية، تحديدا إلى إقليم بيدمونت، ومعناها عند سفح الجبال، حيث ينمو الكمأ الأبيض النادر فى تربة كلسية رطبة. يأتى الفيلم مثل نسمة هواء منعشة وسط جو خانق، ليذكرنا بهؤلاء الناس الذين تجاوز عمرهم الثمانين، ولايزالون يعيشون بالقرب من الطبيعة ويمارسون عملهم بكثير من الحب، بل ويحتفظون بأسرار صنعتهم ويرفضون أن يطلعوا عليها الغرباء حتى لو ماتت معهم.
هذا النوع من الفطر الذى لا يوجد سوى فى إيطاليا وكرواتيا لم تنجح محاولات زراعته بواسطة الإنسان، هو نبات «شيطانى» ترتبط حياته بشجرة أكبر مثل البلوط أو الكستناء أو البندق، ينمو تحت الأرض بالقرب من جذورها، لذا فهو باهظ الثمن، إذ يصل سعر الكيلو أحيانا إلى خمسة آلاف يورو. واللافت والمثير فى الفيلم أن نتيقن أن هناك أشياء لم يسيطر عليها التقدم العلمى وأن هناك تفاصيل يومية لا نعرف عنها الكثير مثل هؤلاء الذين يبحثون عن السحر والتأمل، فى قلب الطبيعة، بعيدا عن صخب المدن. نتساءل للحظات ونحن نتابع أحاديثهم على الشاشة هل هم أشخاص حقيقيون؟ أم أبطال عمل روائى؟ ثم نتذكر فورا أننا بصدد فيلم تسجيلى، وأن «كارلو» و«سيرجيو» و«أوريليو» أحياء يرزقون ويعيشون فى عزلة عن العالم.
***
نتابع حركات الأول وهو يحاول الهرب ليلا من نافذة بيته لكى يفتش عن الكمأ كعادته لأن زوجته ترفض أن يستمر فى عمله خوفا عليه، ثم نستمع إلى أحاديث الثالث وهو يتسامر مع كلبته «بيربة»، يقتسم معها طعامه ويعدها أن يجد لها سيدة لطيفة ترعاها بعد موته على أن يترك لها المنزل من بعده، فهو يعرف أنه لم يعد فى العمر بقية ويريد أن يطمئن عليها، لأنها كل عائلته. نتعرف على الصائدين الثلاثة من خلال الأحاديث المتبادلة مع ذويهم أو ما يسرون به إلى كلابهم.
تواطؤ شديد ومحبب يميز علاقة الكلب وصاحبه، وهو أساس عملية البحث عن الفطر. يخرجان معا ويعتمد الصائد على حاسة الشم القوية لدى الكلب، إذ يتمكن هذا الأخير من تتبع رائحة تشبه الحريق، فيحفر أو يشير إلى صاحبه ليبدأ فى استخراج الفطر بحنكة كى لا يمسه ضرر. يرفض ثانيهم أن يبيع الفطر لتاجر وسيط أو سمسار. لم يعد يريد التعامل معه. ونكتشف من خلال الفيلم سوق الكمأ وطرق تداوله ومراحلها. نفهم أن الصائدين العواجيز، رغم كل خبرتهم، لا يأخذون سوى مئات اليوروهات، وهم لا يعبأون بالمال كثيرا، فى حين يكسب التجار الآلاف بحسب جودة نوع الكمأ ودرجة نقائه. نشاهد التاجر الكبير وهو يدقق فى كل قطعة بعين الخبير وكأنه مثمن جواهر. تجلس سيدتان أنيقتان أمامه وتضعان الكمأ فى قاع كأس من النبيذ ويبدأ اختبار النقاء وطيب الرائحة، فللكمأ عطر نفاذ ولطالما اعتبر من الأطعمة الفاخرة، إذ كان الملك خوفو مثلا يقدمه إلى وفود الزائرين للترحيب بهم وكدليل على كرم الضيافة، من نحو ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد. أما بلوتارك، أكبر مؤرخى السير والتراجم فى العالم القديم، فكان يظن أن الكمأ هو نتاج فريد لامتزاج عوامل ثلاثة: الماء والأرض والبرق.
***
نراقب التاجر فى مشهد آخر وهو يلتهم طبقا من البيض والكمأ والجبن بشهية... يتمتع بذائقة رفيعة. نشعر بالجوع لمجرد التفكير بالأمر، حتى لو لم يذق الكثيرون منا هذا النوع من الفطر من قبل يرغب المتفرج فى أن يشاركه ما يأكل ولا يملك إلا أن يعجب بفرسان الصيد الثلاثة ورغبتهم التى لا تقاوم فى الاستمرار والاحتفاظ بسر المهنة للأبد، حتى أن أحدهم يعتقد أنه سيبحث عن الكمأ أيضا فى الجنة، فهو لا يعرف شيئا آخر ليفعله. ربما كان المخرجان ــ مايكل دويك وجرجورى كرشو ــ حريصين على تسجيل هذه التفاصيل السردية التى قد تختفى باختفاء هذا الجيل الفريد أو بسبب التغيرات المناخية التى تهدد مثل هذه الأصناف البرية بالاندثار، على كل حال الفيلم ينجح فى رسم بسمة على الشفاه فى هدوء ونعومة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كاتم سر الفطر كاتم سر الفطر



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon