توقيت القاهرة المحلي 09:43:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

معارض إنعاش الذاكرة

  مصر اليوم -

معارض إنعاش الذاكرة

بقلم - داليا شمس

من خلال حدثين هامين يتم سرد قصة قناة السويس كاملة، بأسلوب الفلاش باك السينمائي، وهما لحظات الافتتاح في عهد الخديوي إسماعيل وخطاب التأميم لعبد الناصر، إذ يقدم معرض "ملحمة قناة السويس" الذي ينظمه معهد العالم العربي بباريس، من 28 مارس إلى 5 أغسطس من العام الجاري، رواية مشتركة مصرية- فرنسية لتاريخ القناة منذ حفرها على يد الفرعون سنوسرت الثالث إلى يومنا هذا وأعمال التوسيع والمنطقة الحرة.

يحاول المعرض أن يعيد تفاصيل ما حدث بدقة بواسطة بانوراما متحركة جميلة يبحر خلالها الزائر في القناة كما لو كنا في عشرينات القرن الماضي، عندما كانت تتطلع مصر إلى الاستقلال غداة الحرب العالمية الأولى. كما يمكنه متابعة مسار القناة عبر الصحراء واكتشاف العديد من المجسمات والنماذج المصغرة للآلات والمراكب التي تم استخدامها أو الرسوم المطبوعة والصور والملصقات الإعلانية والبطاقات البريدية والأفلام والكتابات والوثائق والشهادات الحية لبعض من عاصروا الأحداث والرسائل المتبادلة ما بين فرديناند ديليسبس، رئيس الشركة العالمية لقناة السويس البحرية، وصديقه الأمير عبد القادر الجزائري، الذي كان له دورا محوريا في تسوية الخلافات بين الخديوي وممثل الشركة الفرنسية.

نحن إذاً بصدد عمليات النسيان والتأويل والتبديل التي تصيب عادة الذاكرة الجماعية، خاصة في مثل تلك الأجواء التي لازمت تاريخ القناة، في أزمنة الحروب والتجسس والمؤامرات الدولية والمنافسة الشرسة على طرق التجارة والمصالح. وذلك لأن الذاكرة تعيش داخل لحظة تأويل مستمرة، كل مرجع أدبي أو لوحة فنية يكون لها أوجه تأويل سياسي أو قد تحمل وجهات نظر مختلفة يتداخل فيها الذاتي والموضوعي. وهنا يأتي دور الخبرة الفرنسية فيما يتعلق بتنظيم مثل هذه المعارض الدولية وتفعيل آليات الدبلوماسية الثقافية التي طالما برعت فيها باريس، فمن خلال تظاهرة فنية وتراثية تحتفي بمرور 150 عاما على إنشاء القناة، يتم تأكيد أواصر الصداقة بين البلدين وتعزيز العلاقات من ناحية، ويتم التغلب على بعض الآثار الأليمة لماض قد ولى ومراجعة الذات.

***

العديد من القطع والوثائق المعروضة هي من مقتنيات المتاحف المصرية، بالإضافة بالطبع إلى عناصر أخرى كثيرة من فرنسا وربما دول أخرى، كما أن هناك فريق مشترك للعمل والبحث، لكن يبرع الجانب الفرنسي في تجميع كل ذلك وتوثيقه بشكل مهني يصيب الهدف، بل وعلى هامش الحدث الرئيسي يقام برنامج ثقافي متكامل على مدار ثلاثة أشهر أو أكثر، يشمل الموسيقى (حفلات لحازم شاهين ودنيا مسعود وحفلة تعيد استخدام الآلات التي تحدث عنها أندريه فيلوتو في كتاب وصف مصر بالاشتراك مع عازفين مصريين وفرنسيين) والسينما والقصص المصورة ولقاءات مع كتاب من أصل مصري مثل روبير سوليه وخالد عثمان وباولا جاك ومع دبلوماسيين، إلى ما غير ذلك.

مسؤولو معهد العالم العربي يعرفون جيدا كيفية التصدي لتلك النوعية من المعارض، مثل "مسيحيو الشرق" و"أوزيريس وأسرار مصر الغارقة" و"قطار الشرق السريع"، كما أن فرنسا دائما ما وضعت الدبلوماسية الثقافية في قلب سياستها الخارجية، ومكنها ذلك أحيانا كثيرة من رأب صدع العلاقات في الزمن الصعب، وهو ما أظن أن علينا اكتساب بعض الخبرات فيه، خاصة أن لدينا في مصر نحن أيضا العديد من المكونات والثروات الثقافية التي تجعلنا في موضع وحدنا، سواء بالنسبة للعالم العربي أو على الصعيد الدولي.

***

هناك أوجه شبه بين البلدين المؤثرين، رغم التراجع والأزمات والتغيرات، مع الفارق أننا في مصر لا نجيد استخدام أدوات الدبلوماسية الثقافية كما فرنسا، فهذه الأخيرة اعتادت تنظيم الأنشطة الثقافية وخاصة المعارض الدولية لخدمة سياساتها منذ الحرب العالمية الأولى. وفي خلال فترة ما بين الحربين، أنشأت عام 1922 الجمعية الفرنسية للتوسع والتبادل الثقافي، ثم غيرت الاسم عام 1934 ربما لتنفي عنها شبهة "التوسع" فصارت الجمعية الفرنسية للنشاط الفني، بدعم مالي من وزارتي الخارجية والتعليم العام، وبالتعاون مع عدد من الرعاة ورجال المال والأعمال. ولم تقلص أبدا ميزانية الدبلوماسية الثقافية في ظل أزماتها الاقتصادية المرهونة بالوضع السياسي، بل كانت تعتبرها أحد مواضع قوتها، وعلى هذا لم تحاول قط الدفع "بالفن الرسمي" وممثليه إلى الصفوف الأولى، بل حرصت على تقديم نماذج مختلفة ومتنوعة من المبدعين الذين لا يتوافقون بالضرورة مع وجهة النظر الرسمية، فالمهم هو الدور الذي يمكنهم القيام به أو مدى تأثيرهم.

دروس مختلفة يجب علينا التماسها عند المشاركة في مثل هذه التظاهرات لنتعلم كيف نصنع الحدث وكيف يمكن لتفاصيل صغيرة وشهادات ووثائق ولوحات أن تجعل العالم يعيد قراءة الواقع والتاريخ، و ينظر لهما بطريقة مغايرة، بعيدا عن تصفية الحسابات وسموم السياسة، فالثقافة كفيلة أحيانا بأن تداوي الجراح وأن تذكر بمدن ومناطق على حافة الخطر والتمزق.


نقلا عن الشروق القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معارض إنعاش الذاكرة معارض إنعاش الذاكرة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon