بقلم : داليا شمس
حققت أغنية حمزة نمرة «معلش» نحو 3.5 مليون مشاهدة عبر موقع يوتيوب، خلال أسبوع واحد من إطلاقها، وهى إحدى أغنيات ألبومه الجديد «مولود سنة 80» الذى سجله بالكامل فى العاصمة البريطانية حيث يقيم منذ 2015. كلمات الأغنية ولحنها الشرقى وتصويرها البسيط جعلوها تدخل القلب، إذ يظهر نمرة وهو جالس على كرسى مقهى ويدندن بتلقائية على العود كمن يتحدث إلى نفسه، وفى الوقت ذاته يعبر عن مشاعر الكثيرين. يقول مذهب الأغنية: «معلش يا معلش الدنيا لاوية دراعى، ومصدرالى الوش قرشة وقافشة من غير داعى، حلينى يا معلش وشوفى حد بدالى، لا ترنى فى ودانى ولا تجيلى فى طرف لسانى، معلش ح اعمل بيها إيه؟! لا تشيل وجع ولا بتداريه، مبقتش بتحوق خلاص، ولا ناس بتسمع من الأساس، والكل متعلم عليه».
أتوقف عند فلسفة معلش التى اشتهر بها الشعب المصرى، فهى جزء من ثقافة مسالمة تميل أحيانا إلى القدرية أو الاستسلام وأحيانا أخرى تعكس مرونة رخوة فى التعامل، ربما مقصودة وربما بدافع الرغبة فى التسامح... هى أيضا فى مكان ما مزيج من كل ذلك. دليل ضعف وقوة فى آن واحد. تشكو همك لصديق فتكون الإجابة «معلش»، تخبره أن حبيبك قد هجرك فيواسيك بمعلش، تصل متأخرا إلى شغلك فتكتفى بمعلش وكأنها شاملة وجامعة لكل الأسباب، يقع حادث قطار يودى بحياة العديد من الضحايا فنقول «معلش ربنا يصبر أهاليهم»، وتحل كلمة محل الاعتذار الحقيقى والثواب والعقاب. وهى بالأساس، كما يتردد على الألسنة، كانت تستخدم أيام الجاهلية عندما يقوم أحد الأشخاص بفعل سفيه فى حق آخر، فيحاول المحيطون تهدئة النفوس مؤكدين: «لا عليه شىء» بمعنى «لا بأس فهو سفيه»، ومع الوقت صارت تنطق «معلش».
***
تخلينا خلال 18 يوما، منذ عشر سنوات، عن تبريرات «معلش» وما تتضمنه من شعور بقلة الحيلة، وحاولنا تغيير مسار الأحداث، ومن بعدها عدنا إلى قاعدة «معلش»، وهو ما تتناوله أعمال مختلفة لأبناء جيل سنة 80 ومن جاءوا بعدهم. يخاطب حمزة نمرة أبناء جيله بوضوح، هؤلاء الذين دخلوا عقدهم الرابع أو اقتربوا منه ويشعرون أن عمرهم قد سرق منهم وأن سنوات عمرهم تتسرب من بين أيديهم. وفى هذا الألبوم الأخير يتعاون مع الكاتب الساخر عمر طاهر ومع شريكيه فى التجربة منذ عشرين عاما، وهما شاعرا العامية محمد السيد وسامح خيرى. هذا الأخير، من مواليد أغسطس 1981، هو كاتب أغنية «معلش» وأعمال أخرى كثيرة تعكس فى معظمها مشاعر جيله أو من هم على شاكلته من الموهبة والحساسية والاهتمام بالشأن العام. ففى أغنية سابقة لمصطفى أمين بعنوان «التيه» يقول: «مات الودع من الضرب، بس الوجع عايش (...) يا عمر ضاع ف التيه محتاج عصا موسى، رسى اللى تاه دليه». وفى أغنية أخرى لمصطفى أمين بعنوان «أيام الترالملم» يقول: «مخلوق مخنوق، ممنوع يتنفس أو يحلم، ويجيه هكسوس وتتار ولصوص، والفرس يدوس ولا يتألم، وبشوف باشوات خواجات أغوات». ويرد عليه زميله الشاعر السكندرى، محمد السيد، كمن يريد أن يهزم همومه الصغيرة والكبيرة بدفن وجهه فى الوسادة: «بلاش تنده حاجات ماتت.. وسيب الذكرى مرتاحة، ما تتعبهاش! ما دُمت قدرت تنساها.. بلاش ترجعها ببلاش! أكيد فى الجاى حدوتة.. ومحتاجة إنها تتعاش». ويحاول سامح خيرى بدوره التغلب على الألم بالأمل، فيكتب: «أهدم بيوت حزنك بالصبر والضحكة، اتعب يلين الحجر تنقش عليه رسمك، وخلى صوت الشقا يقول فى التاريخ اسمك، كون فى الرواية البطل كيد العدا بسيفك، كون السما والوطن، لون الوجود طيفك، خليك رسول نفسك، خد ما السما وحيك، لا تموت فى يوم مالخوف، وإياك تعيش وحدك».
***
بعد مرور عشر سنوات على ثورة يناير، ربما يجدر بنا الانشغال قليلا بإبداع الشخصيات التى شاركت فيها، بعد أن كفرت بكافة الضغوط التى مورست عليها. وشعر العامية هنا هو الأقرب إلى التعبير الحى والصادق، وإنتاجه خلال السنوات الأخيرة يبدو غزيرا. شباب من أجيال وأعمار متفاوتة لا يريدون أن يكونوا كسابقيهم الذين دأبوا على التسويف وقول «بكرة» وعندما يأتى «بكرة» ولا يتم ما اتفقوا عليه أو وعدوا به يقولون «معلش»، لقد جربوا شيئا آخر وذاقوا حلاوته ومرارته، لذا فهم مختلفون.