توقيت القاهرة المحلي 05:29:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

زهر البرتقال أو أبعد

  مصر اليوم -

زهر البرتقال أو أبعد

بقلم : داليا شمس

أرتجف كأوراق الشجر كلما لامس الهواء أغصانها. أتفهم أن الأشجار بحاجة إلى الريح لكى تخلصها من أوراقها الميتة، لكنها قد تطيح بزهرات البرتقال الصغيرة البيضاء التى انتظرتها منذ سنتين على الأقل، حين اشتريت هذه النبتة من معرض الربيع. وأخيرا أزهرت، بعد أن كدت أفقد الأمل، وتغلغلت رائحتها فى الهواء، قيل لى إنها ربما عفية أكثر من اللازم وتحتاج إلى وقت أطول لكى تنضج وتهدأ وتجد توازنا طبيعيا وتزهر، ومن بعدها تثمر، فكل الأشجار تحلم بالفاكهة. وبالفعل، الوقت كفيل بكل شيء.
أقترب من الشجرة أكثر فأميز أحد مكونات عطرى المفضل. يا ترى كم زهرة يحتاجون لكى يصنعوا العطر وماء الزهر؟ عملية التقطير التى اخترعها العرب بعد أن أدخلوا زراعة البرتقال والنارنج إلى الأندلس، وجلبوا أصناف الموالح من آسيا، تحتاج أيضا إلى صبر كبير. يتم قطف الزهر بلطف وفرده على البساط ليلا، وفى الصباح يبدأ التقطير: لكل طن من الزهر، نضع طنا من المياه ونتركها تغلى لأربع أو خمس ساعات، ونستخرج ماء الزهر من بخار الماء المتصاعد، أما الزيت الأساسى فيستخدم فى صنع العطور التى تساعد على الإحساس بالفرح وتخفيف الاكتئاب والنوم الهادئ. وعادةً يكون زهر النارنج أكبر حجما ورائحته فواحة، ألف كيلو جرام من الزهر للحصول على لتر واحد من الزيت العطرى المركز الذى يطلق عليه «نيرولى» على اسم أميرة إيطالية دأبت على استخدامه فى القرن السابع عشر الميلادى، بعدما انتشر فى أوروبا من خلال الأندلس.
***
حلم العرب بتحويل هذه الأخيرة إلى مركز عالمى لصناعة العطور وكانوا يتفاءلون بوجود أشجار الموالح فى باحة البيت، فقد صارت ثمرة البرتقال الحلو والمر رمزا لعالم جديد قائم على امتزاج الثقافات والأعراق. وحتى بعد سقوط مملكة غرناطة بحوالى قرن من الزمان ارتبطت شجرة البرتقال ببيوت الوجهاء والملوك فى أوروبا، وكأنها تحولت إلى شجرة الحكم مثلما حدث مع ملك فرنسا لويس الرابع عشر الذى خصص لها غرفة زجاجية ضخمة، ملحقة بقصر فرساى، لتدفئة النبات وحمايته من التقلبات الجوية.
أنظر إلى شجرتى الصغيرة على الشرفة، بعد أن سرحت بخيالى بعيدا، وأتمنى أن تصبح بعد فترة مثقلة بالثمار الصفر الناضجة، وأحلم أن تكبر حتى تلمس أغصانها وجه السماء. أتخيل نفسى أعيش فى بيت وسط بستان، فإذا بى أستيقظ من أحلامى على صوت فأس وهى تهوى برتابة على جذع شجرة أسفل منزلى. معتوه، متوحش، غاضب، ضايقته الشجرة وخضارها فصمم على الخلاص منها، ودفع بمعتوه آخر لكى يضرب بحقد جذع الشجرة وأغصانها.
جبهة الفأس صارت بالنسبة لى ملطخة بدماء الأشجار، والأوراق مبعثرة على الأرض، والصرخات بالشارع كأنها بكاء الشجرة التى ستهلك بعد قليل. لا أعرف ما الذى دهى هذه المدينة وجرى للناس فيها؟! ففى كل حى هناك مذبحة للأشجار، كافور، بونسيانا، وغيرهما من الأنواع. أشجار صادقت سكان الأحياء منذ طفولتهم وصباهم، بل غالباً سبق وجودها وجودهم بكثير. تزداد جمالاً أحياناً ويبدو اخضرارها مبهجاً، ثم فجأة ينهى حياتها فأس المعاتيه غير آبهٍ بتوسلات المحيطين وصيحاتهم.
***
نشعر أننا مع الوقت نفقد حياتنا السابقة وطفولتنا شيئاً فشيئاً، وأنه مع الوقت لن تعرف الأجيال الأصغر سناً معنى كلمة «أزهار»، فهم لم يكبروا على رائحتها الفواحة التى تتسلل إلى غرف نومهم، بل عاشوا فى مدينة أخرى. مدينة تتحول إلى غابة واسعة مزروعة بالأسمنت والألوان الرمادية والبنية.. مدينة تستحق الرثاء كما تستحقه الأشجار، فنحن لا نملك من الصبر والكياسة ما يسمح للشجر أن يعيش ويثمر، لا نترك فرصة لزهر البرتقال أو غيره.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زهر البرتقال أو أبعد زهر البرتقال أو أبعد



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon