توقيت القاهرة المحلي 11:15:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بابا نويل يتأقلم

  مصر اليوم -

بابا نويل يتأقلم

بقلم : داليا شمس

شاب عريض الكتفين، نحيل الخصر، أشعث الشعر، يرتدى كنزة قطنية صفراء متسخة، وعلى وجهه علامات سخط لا تخطئها العين، رغم طرطور بابا نويل الأحمر الذى يضعه على رأسه. يقف وسط باعة طراطير وألبسة بابا نويل الذين يعرضون بضاعتهم فى الشوارع وإشارات المرور ومحيط الكنائس، ضمن أشياء أخرى من مستلزمات زينة رأس السنة التى يتم استيرادها من الصين أو تصنيعها فى درب البرابرة. جميعهم من عينة بابا نويل الأسمر الشقيان الذى يعانى من سوء التغذية والذى يضرب مثالا على قدرة هذه الشخصية الأسطورية على التأقلم مع الظروف والثقافات.
ذكرنى هذا المنظر بمهرجان بابا نويل الشعبى وهو يركب التوك توك، الذى غناه إسلام هتلر فى نهاية العام الماضى وبدأه بنغمة «جنكل بيل»، ثم قال فيه: «الناس لابسين طراطير، والبنات حاطين مونيكير، هابى نيويير وحاجات حلوة كتير، عيش الواقع مش الخيال عشان مش دايم الحال». ورأينا بالفعل كيف أن دوام الحال من المحال وأن بابا نويل ظهر هذا العام فى دول أوروبا مرتديا كمامة طبية أو تحدث للأطفال من القطب الشمالى عبر «الويب كاميرا» أو جلس داخل المراكز التجارية فى كابينة زجاجية، خوفا من العدوى. ورأينا أيضا قبل ذلك بنحو ثلاث سنوات كيف تمرد رسام ومؤلف كاميرونى، يلقب بالساحر كام، على شكل بابا نويل التقليدى وقام باختراع شخصية محلية تتولى مهمة توزيع الهدايا على الأطفال بدلا منه وأطلق عليها اسم «ماما تينجا تينجا». كان يستاء كثيرا من بابا نويل ذى البشرة السوداء واللحية البيضاء المستعارة العوجاء خلال طفولته، لذا أراد القول إن الاحتفال على النمط الأوروبى هو ضرب من ضروب الخنوع والاغتراب الثقافى.
***
على مر الزمان حاول الناس اقتباس شخصية بابا نويل مع بعض التحوير والتغيير لكى تتناسب مع طبيعة الشعوب، ولكن ظلت الصورة المهيمنة هى تلك التى فرضتها وروجت لها الشركات العالمية لأسباب تجارية بحتة، وقد نجحت بالفعل هذه الأخيرة فى جعل موسم أعياد الكريسماس ونهاية العام فترة نشاط لحركة البيع والشراء. وكان دوما بابا نويل قادرا على التأقلم مع الظروف والمستجدات، وهو شخصية ميثولوجية يرجع تاريخها لألف سنة قبل الميلاد من خلال الإله الإسكندنافى «أودين» الذى لم يكن يتلقى القرابين بل يوزع الهدايا شتاء على الأطفال لحسن سلوكهم، ويرسلها إلى الأرض بواسطة غُرابين. مع الوقت انتقلت عادة توزيع الهدايا السنوية على الأطفال إلى روما وإلى مدن أخرى حول العالم، مع تعديلات فى اسم الإله أو القديس وبعض التفصيلات، ربما لأن البشر كل البشر يحتاجون لهدايا من القَدر أو لمكافأة تأتيهم من الغيب، يحتاجون منذ الصغر لمن يربت على كتفهم ويعطيهم ثقة بأن الأمنيات والمعجزات ممكنة.
وفى العام 1821 كتب كليمنت كلارك مور، الشاعر والقس فى الكنيسة الأسقفية الأمريكية، قصيدة إلى أبنائه بعنوان «زيارة سان نيكولاس» يروى فيها حكاية بابا نويل التى نعرفها، بعدها بسنتين ذاعت القصة بعد أن نشرتها صحيفة بمدينة نيويورك وتمت ترجمتها إلى عدة لغات، أما شكل بابا نويل بملابسه الحمراء والبيضاء وجسمه الممتلئ فقد حددته شركة كوكاكولا. نعم كوكاكولا رمز العولمة.
***
تلقفت الشركة شخصية بابا نويل سنة 1931، ونجحت فى استغلالها للإعلان عن مشروباتها الغازية خلال فترة الركود فى فصل الشتاء، واستخدمت فى دعايتها اللونين اللذين يميزان شارتها وهما الأبيض والأحمر، وعهدت إلى أحد الرسامين بمهمة تصوير بابا نويل بهيئته الشهيرة وفى يده زجاجة كوكاكولا، ثم قامت شركات أخرى بدورها بتوظيفه دعائيا بهدف الترويج لبضاعتها. وعلى هذا النحو تحول بابا نويل إلى رمز للرأسمالية والاستهلاك وفيما بعد العولمة، فبمجرد أن يسمع الناس أغانى الكريسماس الشهيرة وتحيط بهم زينة عيد الميلاد يذهبون لشراء الهدايا إذا ما كانت لديهم أموال تسمح بذلك، أما من لا يملكون سوى قوت يومهم فقد يكتفون ببيع طراطير وألبسة بابا نويل فى إشارات المرور وقد ارتسم الغضب على ملامحهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بابا نويل يتأقلم بابا نويل يتأقلم



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا
  مصر اليوم - بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon