توقيت القاهرة المحلي 05:49:19 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفساد وسحر التواطؤ

  مصر اليوم -

الفساد وسحر التواطؤ

بقلم - داليا شمس

"لا تصدق كل ما يأتي على ألسنة المسؤولين في الصحف، فهذا كلام جرائد"، ظللت أردد العبارة نفسها على مسامع والدي، خلال الستة أشهر الأخيرة، في كل مرة يطلعني فيها على تصريحات المحافظين ورؤساء الأحياء ومسؤولي الإدارة المحلية حول التصدي للفساد. هو كالغريق يتعلق بقشة ويحاول إقناع نفسه بأن هناك من سينفذ يوما القانون بفاعلية ويقوم بمعاقبة المخالف أو جارنا صاحب العقار السابق، الذي يرغب في استثمار الجراج دون ترخيص، بما قد ينعكس سلبا على حياة السكان. وأنا أرى بوضوح كيف يجاهر بعض المخالفين بأن لهم علاقات داخل الحي وأن هناك من يبلغهم مقدما بكل ما يحدث وما يجب اتخاذه من إجراءات لتنويم الموضوع والتحايل. كان أبي يستغرب من ردة فعلي أنا التي تعمل بالصحافة منذ أكثر من عشرين عاما، أما أنا فقد كنت استغرب من سحر التواطؤ الذي يجمع الفاسدين، هذا كان أكثر ما استوقفني في هذه التجربة برمتها، كيف كان ينبري كل من نلجأ إليه ومن المفترض أن يساهم في حل المشكلة دفاعا عن المخالف، قائلا ما معناه "إنكم تريدون خراب بيته"، بدلا من التصدي لشخص لا يبالي بأرواح الناس.

***

وجدتني أضحك من كلمات وعبارات الصحف الرنانة: سيف القانون الباتر، الخطر الداهم، التصدي لفساد الأحياء صار مطلبا شعبيا ملحا، استبعاد أي موظف تحوم حوله الشبهات، التلوث البصري، تشوه المدينة، إعداد الكوادر، اللامركزية، الحوكمة،... جميعها تتصدع وتفقد معناها أمام الموظفين عتاة البيروقراطية، ففي مثل هذه المواقف تتعامل فجأة مع أساطير يومية متحركة: المهندسة س. والموظفة ص. ورئيسهما الذي يلتقي بالمواطنين كل ثلاثاء، ثم تأخذك دوامة الخطابات التي لا تصل أبدا أو التي تصاغ بشكل خاطئ فترجع لصحابها كالشتيمة، ويتجلى سحر التواطؤ وينقلب الوضع إلى كوميديا سوداء، خاصة عندما أكتشف أن الحي الذي ولدت فيه والذي صار في أقذر حالاته تم تقييمه في نهاية نوفمبر الماضي كأفضل حي بالمنطقة الشرقية من قبل محافظ القاهرة. وقتها ينطلق صوت داخلي ليأمرني بأن أحمد الله، لأن هناك ما هو أسوأ بكثير، على الأقل لم يشهد حينا بعد برجا مائلا كعمارة الأزاريطة الشهيرة بالإسكندرية التي تصدرت صورها الجرائد المحلية والعالمية كأحد عجائب الدنيا السبع، في شهر يونيو الماضي. والمفارقة أن هذا العقار المخالف، الذي لم يكن مصرحا له سوى بإنشاء طابق أرضي ودورين علويين وصدر له قرار إزالة وإخلاء منذ عام 2004، كان يقع على بعد 120 مترا فقط من مقر حي وسط الإسكندرية، لكن كل ما ركز عليه الخبراء حينها كان ضرورة الانتهاء من قانون البناء الموحد والتبشير بمشروع قانون المحليات الجديد الذي تم تقديمه إلى مجلس الشعب والذي سيقضي على فساد المنظومة بشكل نهائي، لأن القانون القديم به عوار وينتمي للقرن الفائت.

***

نبسط المسائل ونقلل من شأن سحر التواطؤ الذي يجمع من يشبهون بعضهم البعض، في مجتمع صار الفساد جزءا من ثقافته، فأفضل قوانين العالم إذا ما قام على تنفيذها ذات الأشخاص بعلاقاتهم المتشابكة والمعقدة سنظل ندور في دائرة الفساد والبيروقراطية المفرغة، والنتيجة مزيد من المخالفات والكوارث ومزيد من أصحاب المشكلات الذين يحاربون طواحين الهواء إلى أن يموت أحدهم أو يشرد وتكتب عنه الصحف. دون دراسة جادة لهذه العلاقات الاجتماعية المعقدة، جنبا إلى جنب مع وضع القوانين، ستظل تنطبق علينا مقولة الكاتب جورج أورويل الذي يصف الكثير من أمور حياتنا كأنه تخيلها اليوم وليس قبل سنوات عديدة: " شعب يختار الفاسدين والمحتالين والكذابين والسارقين والخائنين ليس بضحية، بل هو متواطئ مع كل هؤلاء"، فسحر التواطؤ يوحي بنية الإصرار.

نقلا عن الشروق القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفساد وسحر التواطؤ الفساد وسحر التواطؤ



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon