توقيت القاهرة المحلي 08:49:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لمعة العيون

  مصر اليوم -

لمعة العيون

بقلم: داليا شمس

فاتت الذكرى، صارت وراءها.. لكن ذلك لم يمنع ارتباكها ونحن نقلب في الصور القديمة، حين سألت عن عازف البيانو الأنيق الذي جلست من حوله ضمن آخرين، أيام الدراسة، وقالت في عجالة إنه كان بارعا جدا، ولمعت عيناها هاربة، تتملص من الاعتراف بأمر حميم. علق صوت موسيقاه برأسها، وربما كادت تستحضر ملامحه، رغم مرور أكثر من نصف قرن.

العمر تأخر، وأنهكها التعب وطأطأة الظهر، لكن ظلت لمعة العيون لها بريق خاص، حتى لو ضعف النظر وقل الكلام. لا تريد أن تبدو رومانسية بلهاء أمام الأبناء والأحفاد، لكن ثمة شيء ما يلمحه من يريد أن يقرأ تعبيرات الوجه، خاصة العيون أصدق ما فيه. وأنا أحب قراءة الوجوه وترجمة لغة العيون حين تتألق لمعانا بسبب الحب أو الإعجاب أو الإطراء أو الحماسة أو الشغف. وأجيد الترجمة أيضا حين يتطاير الشرر والغيظ والغيرة والتحدي، ويعلو تلقائيا حاجب عن الآخر بقليل في بعض الأحيان، حتى لو حاول صاحب أو صاحبة العيون رسم ابتسامة مصطنعة على الشفايف، لكي يؤكد أنه لا يعبأ بالأمر وبمن حوله.

سر العيون يكمن في حركاتها وسكناتها وإشراقها أو العكس، وهو ما لا يمكن وصفه بسهولة، فيها يكون الذكاء والتلألأ والاتقاد والدهاء والحسد والجفاء، وفيها تكون السذاجة والسعادة والبلادة والرغبة، فهي سحر لا يستدل عليه بغير عواطف.
***
أتفهم المدراء الذين يصرون على اختيار موظفيهم ضمن أصحاب العيون اللامعة، بالإضافة إلى كفاءاتهم، فالعيون اللامعة دليل على شغف صاحبها، على قدرته على الدهشة والتساؤل والابتكار والمفاجأة والخروج عن المألوف، وبغير هذه الصفات لا تقدم ولا تعلم ولا تنمية، كما قالها اليونان قديما.

هناك سعادة في الإبداع والحب، وحين تخبو العيون والموهبة والحماسة ويختفي الشغف، تطفو على السطح العادات البالية والعشرة والتعود والروتين والملل. نكتب الأمر نفسه والصفات نفسها بأسماء مختلفة. نصبح أكثر تهكما ومرارة. صغر العمر أم كبر. لذا أتمنى ألا تكون لمعة العيون ضمن الأشياء التي يجملها الحنين لأنها مرت ولن تعد. أتمنى أن أكون محاطة بهؤلاء الذين اتخذوا قرارا بأن تكون حياتهم كما أرادوا، ويظلوا في حالة حب بما يفعلون وبمن يخالطون، فيحتفظوا بلمعة عيونهم أبد الدهر. يكونوا مثل بيتهوفن الذي قدم لأول مرة السيمفونية التاسعة، أطول أعماله التي استغرق تأليفها حوالي ثلاثين عاما، في فيينا عام 1824، واستغرقته المقطوعة فلم ينتبه لتصفيق الجمهور الحاد، بما أنه كان مصابا بالصمم. لفتت انتباهه السوبرانو على المسرح ليرى بعينيه حماسة الصالة ويلحظ أن الأوركسترا توقفت عن العزف.
***
كان يعوض السمع بالإحساس، ولم يفارقه الشغف حتى رحل بعدها بثلاث سنوات. تأثر بأبيات شيللر عن الفرح والحب والنشوى والسعادة، كما تأثر أينشتين بموسيقى موتسارت وباخ. كان أينشتين يعزف على الكمان أو البيانو ويظل يرتجل أعمالهما حتى تختمر الفكرة في رأسه ويجد ضالته فيصيح "وجدتها" وتلمع عيناه. يطلق لخياله العنان على أنغام الموسيقى، مدفوعا بشغف لا يخبو ولا تنطفئ جذوته، وذلك في حد ذاته قصيدة فرح. حلاوة لا علاقة لها بفعل التذكر، لكن بلمعة العين التي تظل متقدة والتي يفقدها البعض بالسقوط في واقعية الحياة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لمعة العيون لمعة العيون



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon