توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماركوس وأقرانه

  مصر اليوم -

ماركوس وأقرانه

بقلم: داليا شمس

لكل عِقد أبطاله. يلمع اسم بعضهم خلال فترة زمنية محددة، ثم تختلف مصائرهم. تذكرت مثلا خلال الأيام الماضية شخصية خطفت الأنظار، في مطلع التسعينات وحتى بداية الألفية الثانية، بسبب غموضها ونبل قضيتها، وهو الكومندان ماركوس، قائد حركة التمرد المكسيكية المنتسبة للمبادئ التي طرحها اميليو زاباتا أثناء ثورة 1910، إذ بزغ نجم جيش زاباتا للتحرير الوطني منذ يناير 1994، وأطلق على أنصاره "الزباتيين".
أصبح الكومندان ماركوس في فترة قصيرة رمزا للثورة السلمية وللبطل الذي يدافع عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحرية، بسبب نضاله من أجل الأقلية الهندية التي تسكن ولاية شيباس الفقيرة، في جنوب شرق المكسيك. كانت حركته هي أول من أطلقت صرخة "كفاية!" تنديدا بالأوضاع الصعبة التي يعيشها الهنود وبعمليات الطرد التي يعاني منها الفلاحون في ظل قسوة كبار ملاك الأراضي. تحول تدريجيا إلى بطل من أبطال الحركة المناهضة للعولمة في نهاية التسعينات، التي ضمت العديد من الجمعيات والمنظمات غير الحكومية والشخصيات العامة وأفراد من تيارات مختلفة، للمطالبة بالحد من الآثار السلبية للعولمة، خاصة الليبرالية الجديدة. اشتهر الكومندان ماركوس، على ظهر حصانه، بوجهه الملثم وغليونه الذي لا يفارقه. أحاط نفسه بالغموض واكتسب بعدا غير عقلاني وغرائبي، كهذه النوعية من الأبطال، إلا أنه لم يعش سوى حوالي عشر سنوات، ولم يُخلد مثلما حدث مع المناضل الأرجينتني شي جيفارا الذي يشكل ظاهرة تجارية خارقة للعادة، بعد مرور أكثر من خمسين عاما على وفاته.
***
انسحب ماركوس طواعية من الأضواء، وقيل إن ذلك يرجع لإصابته بسرطان الرئة، ثم تم نفي مرضه وقيل إنه ترك القيادة لزملاء آخرين مثل مويس وتاشو، لتغييرات داخلية في الحركة بعد تحولها نحو العمل السياسي في خمس مناطق تتمتع بالحكم الذاتي، معروفة "بالكراكول". اختفى فجأة في منتصف الألفينات، ثم ظهر مجددا ليعلن موت شخصية "الكومندان ماركوس" التي اخترعها بمساعدة الهنود للدفاع عن حقوقهم وغيرهم من الشعوب الأصلية التي تكون المكسيك بولاياته الاثنين والثلاثين. كان ذلك أمام ثلاثة آلاف من مؤيديه الذين اجتمعوا لتأبين أحد أعضاء الحركة الذي يعرف باسم "جليانو"، في صيف 2014. وهو لم يكن قد تحدث إليهم منذ احتفالية "المهرجان العالمي الأول للغضب الكريم" في العام 2009، بمناسبة الذكرى الخامسة عشر لإحياء حركة التمرد الزباتية.
مثل الكومندان في نظر الكثيرين نموذجا لزعماء حركات ما بعد الإيديولوجيا وعصر الإنترنت. لم ينفذ اغتيالا في حياته، وطالما ما نبذ العنف، واستخدم الخيال والكلمات الشعرية لشحذ همة الجماهير والدفاع عن قضيته. سار على الأقدام جنبا إلى جنب مع كتاب ومفكرين وفنانين مثل ساراماجو ونعوم شومسكي وأوليفرستون، بل وحاوره مؤلفون كبار مثل ماركيز واينياسيو رامونيه، ومع ذلك ظل طريد العدالة حتى تم العفو عنه سنة 2016. قبلها بسنوات قليلة تم الإعلان عن هويته الحقيقية فعرف سر بلاغته وثقافته الواضحة، إذ تبين أنه أستاذا جامعيا درس الآداب والفلسفة في واحدة من أهم جامعات المكسيك الثورية، ثم اشتغل بتدريس علوم الاتصال والتصميم الجرافيكي، قبل أن ينضم إلى جيش التحرير الزباتي في مطلع الثمانينات.
***
ولد عام 1957 لأبوين من أصول إسبانية، وتأثر بأفكار فوكو وماركس وإنجلز وجرامشي، وأحب أكثر ما أحب شخصية "دون كيشوت"، بطل رواية سيرفانتيس الشهيرة. لذا عندما كان يخاطب الجماهير، فكان يقرض الشعر أحيانا أو يتوجه إليهم بكلمات بليغة من خلال البيانات الصحفية، ويحكي ما يشبه الحواديت والحكايات الخرافية التي يواجه فيها الضعيف من هو أقوى وينتصر. اخترع مثلا شخصية الجعران "دوريتو"، جعران حداثي يناهض العولمة ويناصر الضعفاء مثله. مزج السياسة بالأدب، وترجمت نصوصه إلى عدة لغات. ألهم الجماهير، ثم اختفى، ووضع نهايةً لأسطورته.
عاد البطل إلى الظل، ولم نعد نعرف عنه الكثير. ترك الحصان وحيدا، ورحل إلى عالمه الخاص الذي لم نكن نعرف عنه شيئا. هناك آخرون صرخوا بدورهم "كفاية"، ويصرخون كل يوم. يقفون في وجه الظلم والفساد، يغضبون غضبا مشروعا، ويصبحون أبطال مرحلة، ثم يأتي آخرون، يجود بهم الزمان مثلما جاد بغيرهم. يواجه بعضهم نهايات دامية أو غير تقليدية أو دراماتيكية للغاية. تتبدل حيواتهم ومصائرهم.
عندما تذكرت الكومندان ماركوس، تدافعت إلى ذهني أسماء شخصيات من عالمنا العربي كانت تجري على ألستنا، وبعدها اختفت من على الساحة، وكلي فضول أن أتتبع مساراتها. لن تكون بالضرورة بنبل ماركوس، لكنها أكيد ستكون مثيرة للاهتمام ودالة جدا على العديد من الحقائق.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماركوس وأقرانه ماركوس وأقرانه



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon