توقيت القاهرة المحلي 05:39:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماركوس وأقرانه

  مصر اليوم -

ماركوس وأقرانه

بقلم: داليا شمس

لكل عِقد أبطاله. يلمع اسم بعضهم خلال فترة زمنية محددة، ثم تختلف مصائرهم. تذكرت مثلا خلال الأيام الماضية شخصية خطفت الأنظار، في مطلع التسعينات وحتى بداية الألفية الثانية، بسبب غموضها ونبل قضيتها، وهو الكومندان ماركوس، قائد حركة التمرد المكسيكية المنتسبة للمبادئ التي طرحها اميليو زاباتا أثناء ثورة 1910، إذ بزغ نجم جيش زاباتا للتحرير الوطني منذ يناير 1994، وأطلق على أنصاره "الزباتيين".
أصبح الكومندان ماركوس في فترة قصيرة رمزا للثورة السلمية وللبطل الذي يدافع عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحرية، بسبب نضاله من أجل الأقلية الهندية التي تسكن ولاية شيباس الفقيرة، في جنوب شرق المكسيك. كانت حركته هي أول من أطلقت صرخة "كفاية!" تنديدا بالأوضاع الصعبة التي يعيشها الهنود وبعمليات الطرد التي يعاني منها الفلاحون في ظل قسوة كبار ملاك الأراضي. تحول تدريجيا إلى بطل من أبطال الحركة المناهضة للعولمة في نهاية التسعينات، التي ضمت العديد من الجمعيات والمنظمات غير الحكومية والشخصيات العامة وأفراد من تيارات مختلفة، للمطالبة بالحد من الآثار السلبية للعولمة، خاصة الليبرالية الجديدة. اشتهر الكومندان ماركوس، على ظهر حصانه، بوجهه الملثم وغليونه الذي لا يفارقه. أحاط نفسه بالغموض واكتسب بعدا غير عقلاني وغرائبي، كهذه النوعية من الأبطال، إلا أنه لم يعش سوى حوالي عشر سنوات، ولم يُخلد مثلما حدث مع المناضل الأرجينتني شي جيفارا الذي يشكل ظاهرة تجارية خارقة للعادة، بعد مرور أكثر من خمسين عاما على وفاته.
***
انسحب ماركوس طواعية من الأضواء، وقيل إن ذلك يرجع لإصابته بسرطان الرئة، ثم تم نفي مرضه وقيل إنه ترك القيادة لزملاء آخرين مثل مويس وتاشو، لتغييرات داخلية في الحركة بعد تحولها نحو العمل السياسي في خمس مناطق تتمتع بالحكم الذاتي، معروفة "بالكراكول". اختفى فجأة في منتصف الألفينات، ثم ظهر مجددا ليعلن موت شخصية "الكومندان ماركوس" التي اخترعها بمساعدة الهنود للدفاع عن حقوقهم وغيرهم من الشعوب الأصلية التي تكون المكسيك بولاياته الاثنين والثلاثين. كان ذلك أمام ثلاثة آلاف من مؤيديه الذين اجتمعوا لتأبين أحد أعضاء الحركة الذي يعرف باسم "جليانو"، في صيف 2014. وهو لم يكن قد تحدث إليهم منذ احتفالية "المهرجان العالمي الأول للغضب الكريم" في العام 2009، بمناسبة الذكرى الخامسة عشر لإحياء حركة التمرد الزباتية.
مثل الكومندان في نظر الكثيرين نموذجا لزعماء حركات ما بعد الإيديولوجيا وعصر الإنترنت. لم ينفذ اغتيالا في حياته، وطالما ما نبذ العنف، واستخدم الخيال والكلمات الشعرية لشحذ همة الجماهير والدفاع عن قضيته. سار على الأقدام جنبا إلى جنب مع كتاب ومفكرين وفنانين مثل ساراماجو ونعوم شومسكي وأوليفرستون، بل وحاوره مؤلفون كبار مثل ماركيز واينياسيو رامونيه، ومع ذلك ظل طريد العدالة حتى تم العفو عنه سنة 2016. قبلها بسنوات قليلة تم الإعلان عن هويته الحقيقية فعرف سر بلاغته وثقافته الواضحة، إذ تبين أنه أستاذا جامعيا درس الآداب والفلسفة في واحدة من أهم جامعات المكسيك الثورية، ثم اشتغل بتدريس علوم الاتصال والتصميم الجرافيكي، قبل أن ينضم إلى جيش التحرير الزباتي في مطلع الثمانينات.
***
ولد عام 1957 لأبوين من أصول إسبانية، وتأثر بأفكار فوكو وماركس وإنجلز وجرامشي، وأحب أكثر ما أحب شخصية "دون كيشوت"، بطل رواية سيرفانتيس الشهيرة. لذا عندما كان يخاطب الجماهير، فكان يقرض الشعر أحيانا أو يتوجه إليهم بكلمات بليغة من خلال البيانات الصحفية، ويحكي ما يشبه الحواديت والحكايات الخرافية التي يواجه فيها الضعيف من هو أقوى وينتصر. اخترع مثلا شخصية الجعران "دوريتو"، جعران حداثي يناهض العولمة ويناصر الضعفاء مثله. مزج السياسة بالأدب، وترجمت نصوصه إلى عدة لغات. ألهم الجماهير، ثم اختفى، ووضع نهايةً لأسطورته.
عاد البطل إلى الظل، ولم نعد نعرف عنه الكثير. ترك الحصان وحيدا، ورحل إلى عالمه الخاص الذي لم نكن نعرف عنه شيئا. هناك آخرون صرخوا بدورهم "كفاية"، ويصرخون كل يوم. يقفون في وجه الظلم والفساد، يغضبون غضبا مشروعا، ويصبحون أبطال مرحلة، ثم يأتي آخرون، يجود بهم الزمان مثلما جاد بغيرهم. يواجه بعضهم نهايات دامية أو غير تقليدية أو دراماتيكية للغاية. تتبدل حيواتهم ومصائرهم.
عندما تذكرت الكومندان ماركوس، تدافعت إلى ذهني أسماء شخصيات من عالمنا العربي كانت تجري على ألستنا، وبعدها اختفت من على الساحة، وكلي فضول أن أتتبع مساراتها. لن تكون بالضرورة بنبل ماركوس، لكنها أكيد ستكون مثيرة للاهتمام ودالة جدا على العديد من الحقائق.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماركوس وأقرانه ماركوس وأقرانه



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:36 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

جوكر الكرة المصرية أحمد فتحي يُعلن اعتزاله
  مصر اليوم - جوكر الكرة المصرية أحمد فتحي يُعلن اعتزاله

GMT 13:09 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

دواء مضاد للاكتئاب قد يساعد في علاج أورام المخ
  مصر اليوم - دواء مضاد للاكتئاب قد يساعد في علاج أورام المخ

GMT 20:39 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

يوسف الشريف خارج دراما رمضان 2025
  مصر اليوم - يوسف الشريف خارج دراما رمضان 2025

GMT 05:22 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

حجب منصة “إكس” في البرازيل للمرة الثانية
  مصر اليوم - حجب منصة “إكس” في البرازيل للمرة الثانية

GMT 22:12 2019 الجمعة ,24 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 1.01% في أسبوع

GMT 21:55 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أبوريدة يبحث ترتيبات مباراة مصر وتونس مع وزير الشباب

GMT 22:51 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشاف نوع جديد من العناكب الذئبية جنوب إيران

GMT 21:31 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

حنان ترك غاضبة من حلا شيحة بعد خلعها الحجاب

GMT 07:06 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

أبوسعدة يكشف عن تنفيذ قطر حُكم تعويض أسر القتلى

GMT 18:35 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

آبل تستبدل بعض هواتف "iPhone X" التي تعاني من مشاكل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon