توقيت القاهرة المحلي 05:25:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مغامرة الحرب

  مصر اليوم -

مغامرة الحرب

بقلم : داليا شمس

 الضربة الأخيرة التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا ضد النظام السوري ذكرتني بالحرب على العراق كما عشناها في القاهرة، مع الفارق أن وقتها كانت ردة الفعل أقوى لاختلاف بعض الظروف ولاعتيادنا حاليا الغارات والهجمات والهوان، فلم يعد عامل الصدمة بالإثارة والشدة نفسهما.

استرجعت فجأة ما كتبت حينها حول تحولات الأصدقاء وبعض المعارف، وكيف انعكس تفاعلهم مع الأزمة على شخصياتهم ورؤيتهم لكثير من الأمور. مظاهرات وتجمعات وفعاليات مختلفة تم تنظيمها واشتركت في بعضها، وكنت أرصد رغما عني التغيرات التي طرأت على من حولي، خاصة هؤلاء الذين كانوا في مراحل مفصلية من حياتهم أو الذين كانوا يبحثون عن هدف ومعني أو ببساطة عن ذواتهم، في خضم الأحداث. كان هناك من كتب قصيدة رددها الناس، ومن تداوي جراحها بعد علاقة حب فاشلة دفعتها لمراجعة حساباتها، ومن عاش هزيمة 67 ولا يستوعب فكرة الحرب على الهواء مباشرة فأصابته الكوابيس، ومن لم يعرف قط مثل هذه الصراعات المسلحة لأنه من جيل اتفاقات السلام، إلى ما غير ذلك، فهناك دائما ذاكرة أخرى غير رسمية للحروب تتكون وتترسخ لدى الأفراد، بعيدا عن الدوائر الرسمية التي تتعمد أحيانا طمس بعض عناصر الحكاية لتقدم الصورة التي تريد أو التي تظن أنها مناسبة.

وهو ما رأيناه مليا في الحربين العالميتين، عندما يكتفي التاريخ الرسمي للدول بالحديث عن المقاومة وبطولاتها، دون التعرض لوجود خونة ومتعاونين مع الخصم، وما قد ينطبق أيضا على موقفنا من القضية الفلسطينية وعلاقتنا ببدو سيناء. دوما هناك بعض المسكوت عنه، وبعض ما نفضل إغفاله وبعض ما لا يتوقف عنده المؤرخون. وغالبا هو ما أحب أن أتناوله بالملاحظة والبحث، جانب ثقافة وأنثروبولوجيا الحروب التي إذا جاء الاهتمام به فيأتي بعد سنوات وسنوات من محاولات تهدف إلى تحديد من المسؤول عن هذا وذاك وعلى من يجب أن يقع اللوم والعبء الأكبر، أو تهدف إلى الوقوف على تفاصيل العمليات العسكرية وأسرارها، دون الاهتمام بعقلية المقاتل مثلا أو ما الذي كان يدور في رأسه أثناء المعركة.

بمرور الوقت وشيء من الموضوعية، قد نكتشف أن كل الصراع كان عبثيا ونقول إننا ضيعنا الكثير في لامعنى وغرقنا في كواليس المؤامرات السياسية والدبلوماسية، لكن أثر الحرب في النفوس ومسارات البشر لا يمكن الرجوع فيه، فقد سبق السيف العذل. لأن الحرب التي تضعنا بين الحياة والموت هي لحظة حقيقة واختبار، تظهر خلالهما الطبيعة الإنسانية ومعادن الناس، بكل وضوح، دون مواربة، حيث لا ينفع الندم ولا الكذب. هي مغامرة خطرة ندخلها ونخرج كما ولدتنا أمهاتنا. يجسدها رسام مثل بيكاسو في جدارية "الجورنيكا" أو يصورها مخرج مثل فرانسيس كوبولا في فيلم "القيامة الآن" أو تجعل مصممة أزياء مثل كوكو شانيل تغير تماما من مظهر المرأة عندما تلبسها ثوب أسود بسيط أو جاكيت بدلة رجالي، وتبدو بشعر قصير كالغلامة بعدما خرجت للعمل لتحل مكان الرجال المشغولون بالمعركة على الجبهة... كل ذلك تجليات لتغير مجتمعي حدث بفعل الحرب التي حدثت بفعل فاعل تبدلت عقليته وصار القتل بالنسبة له بدافع قومي أو وطني مبرر، بل وواجب. الحرب هي زاوية للرؤية، منظار يسمح لنا أن نرى من خلاله تطور المجتمع وما اعتراه من تغيرات وانقسامات وتطلعات وأحلام كبيرة كانت أم صغيرة.

نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مغامرة الحرب مغامرة الحرب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon