توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حديث الأشجار

  مصر اليوم -

حديث الأشجار

بقلم : داليا شمس

 ذكاء وعمق وخفة دم متناهية وشغف.. لا نشعر بمرور ساعة ونصف، وهي مدة الفيلم التسجيلي السوداني "حديث عن الأشجار". المخرج صهيب قسم الباري، 40 سنة، يمتلك أدواته تماما، دون سفسطة أو ادعاء. برع في قيادة أربعة مخرجين سودانيين آخرين من أجيال مختلفة، كانوا من أوائل من درس السينما في مصر وألمانيا وروسيا، وحازت أفلامهم في عقود منتصف القرن الماضي المتتالية على جوائز مهرجانات عالمية، حتى أصاب الموت السريري السينما السودانية بعد انقلاب 1989، وهي عادة مؤشر جيد على ما تمر به البلاد. تبدلت الأحوال مع صعود الإسلاميين أو على حد وصف أحد الأبطال لحال السينما في بلاده "البطل قتله الخائن، ولم يكن موته طبيعيا".

طوال الوقت نتابع مشاغبات المخرجين الأربعة الكبار: إبراهيم شداد، سليمان محمد إبراهيم، منار صديق، الطيب المهدي. السينما وأزمتها وولعهم بها وحدت مصائرهم. سويا يديرون جمعية الفيلم السوداني بمدينة أم درمان حيث تدور الأحداث. يفعلون ما بوسعهم ليعرضوا للناس أفلاما بالمجان، ثم يفكرون في تجديد أحد دور العرض المهملة. يقع اختيارهم على "سينما الثورة" القديمة، ويجاهدون للحصول على التصاريح اللازمة من الجهات الحكومية والأمنية المختلفة التي لا ترغب في وجود سينما ولا جمهور يتابعها.

طوال الوقت أيضا تكون هناك إشارات لأفلام كلاسيكية تربى عليها هؤلاء المخرجين الكبار، يحفظون الحوارات ويقلدون الممثلين الأصليين. حواراتهم تدل بالطبع على ثقافة واسعة وسخط على الأوضاع القائمة. يتهكمون على كل شيء بروح دعابة سودانية بسيطة ولاذعة: صوت الآذان العالي الصادر عن خمسة جوامع جنب بعضها البعض وكأن المصلين طرشان، تسلسل التاريخ السياسي للسودان " كولونيالية، ثلاث ديمقراطيات وثلاث عصور ديكتاتورية"، الرئيس عمر البشير ينجح في انتخابات 2015 بنسبة 94.5 % من الأصوات... الزمن الذي اختاره المخرج للفيلم هو سنة 2015، وإن كان التصوير قد استمر بشكل متقطع إلى عام 2017، كما أفاد المخرج والأبطال الذين حضروا العرض العربي الأول للفيلم بمهرجان الجونة وحصلوا على النجمة الذهبية لأفضل وثائقي طويل، وذلك بعد أن حاز فيلمهم على جائزة مهرجان برلين لبانوراما الوثائقي وجائزة مجلة "فاريتي" الشرق الأوسط.  

***

حكوا كيف تعرف عليهم المخرج صهيب قسم الباري، الذي عاش في السودان حتى السادسة عشر من عمره، ثم سافر لدراسة السينما بفرنسا في جامعة باريس 8. عند عودته للسودان كان يرغب في تصوير فيلمه الروائي الأول، لكن مشروعه تعثر ووقع على فريق جمعية الفيلم من المخرجين الرائعين وقرر أن يصنع فيلما تسجيليا مستلهما من تجربتهم. التخوف الدائم كان أن يمنع الفيلم خلال التصوير، لكن ما ساعدهم هو ظن البعض أن المخرج يحضر فيلما عن تاريخ السينما السودانية بشكل عام.

يضحك المخرجون الكبار مع صهيب: " كان بالنسبة لنا زول دخيل ومزعج"، فكلهم مخرجون من جيل أكثر كلاسيكية، وينتمي هو لعصر الديجيتال! "كنا نعرف أننا جميعا في ورطة"، لكنها بالطبع ورطة ممتعة جدا لهم وللمشاهد الذي تورط بدوره في مشاعر الصداقة والتواطؤ التي سادت الفيلم وأكسبته إيقاعا في منتهى السلاسة، فداخل المجموعة تتكون بمرور الوقت "ميزان سين" أو ترتيب الخطة الحركية أمام الكاميرا بشكل تلقائي، هم يتحركون فعليا هكذا في الحياة وفقا لطباعهم وشخصياتهم المختلفة، ما أفاد المخرج كثيرا في رسم خطته هو خلال التصوير.

***

نتابع نبش الأصدقاء الأربعة في ماضيهم وتاريخ السودان الثقافي والسياسي بمرح. ننفض معهم الأتربة عن أشيائهم القديمة، وكأننا ننفض الغبار عن السودان ككل، وكأننا وكأنهم نستشعر ما هو قادم ونتفاءل معهم بحذر، فالأشجار الصامتة قد تحدثت وحديثها ذو شجون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حديث الأشجار حديث الأشجار



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon