توقيت القاهرة المحلي 05:49:19 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إيميلدا، أم الشعب

  مصر اليوم -

إيميلدا، أم الشعب

بقلم : داليا شمس

"لم أكن ماري أنطوانيت. لا أنتمي لطبقة النبلاء بحكم المولد، لكن من حقي أن أكون يوما ضمن هؤلاء". هذه الجملة المنسوبة لإيميلدا ماركوس التي حكمت الفلبين إلى جوار زوجها لحوالي عقدين تلخص طريقة تفكير السيدة الأولى صاحبة الثلاثة آلاف حذاء وتطلعاتها التي لا تزال تملي عليها تحركاتها حتى الآن رغم اقترابها من التسعين.
عرض مهرجان الجونة السينمائي مؤخرا فيلما وثائقيا بعنوان "صانعة الملوك" (Kingmaker) للمخرجة الأمريكية لورين جرينفيلد التي تعنى أعمالها بالأساس بدراسة الأغنياء وأصحاب الجاه والسلطة، غاصت في عالم المشاهير على مدى خمسة وعشرين عاما، وكان أشهر أفلامها "ملكة فرساي" الذي صور حياة الزوجين ديفيد وجاكي سيجيل، من ملوك التايم شير، حين عكفا على بناء أكبر منازل الولايات المتحدة الأمريكية على شاكلة قصر فرساي، ليكون مقر إقامتهما، ثم داهمتما الأزمة الاقتصادية، فصار الوثائقي من أهم الأفلام التي تناولت ظاهرة الكساد العالمي.
هنا أيضا في "صانعة الملوك" نتحول من حالة خاصة إلى حالة عامة تثير القلق. ترسم المخرجة ببراعة بورتريه لإميلدا ماركوس التي يصفها ابنها في الفيلم بأنها "حيوان سياسي"، ويفتخر بعودتها للحياة السياسية كنائبة في البرلمان ودعمها الدائم لأبنائها لكي يحصلوا على أعلى المناصب، إذ ترشح هو شخصيا- بونج بونج ماركوس- عام 2015- ليكون نائبا لرئيس الجمهورية ويشارك رسميا في الحكم، إلا أن الحظ لم يحالفه وفازت عليه زعيمة كتلة المعارضة. وتتواتر الأخبار حول إمكانية ترشحه للرئاسة بحلول 2022، وحول علاقاته الوطيدة بالرئيس الحالي ودعمه له، إلى درجة القبض على زعيمة المعارضة ونائبة الرئيس والحكم عليها بالسجن لمدة 12 عاما، في شهر يوليو الماضي.
***
نحن أمام سلالة ماركوس بزعامة الأم إيميلدا التي تدفع بالجميع إلى سدة الحكم، وكأننا بصدد أسرة ملكية حريصة على أن تظل على رأس "دولة السبعة آلاف جزيرة"، مهما كلفها الأمر بعد أن ثار الشعب ضدها في العام 1986 وهربت إلى هاواي. شيء مثير ومخيف أن نرى كيف يتم استخدام الأموال التي استولت عليها العائلة في السابق لتبرأة ساحتها، إذ قدرت ثروة ماركوس وزوجته عند خروجه من الفلبين بحوالي عشرة بلايين دولار، ورغم محاولات استرداد الأموال إلا أن الأسرة ظل لديها الكثير والكثير، بسبب تهريب المقتنيات والمجوهرات الثمينة وامتلاكهم لأصول وعقارات في الخارج. وبعد رجوعهم إلى بلادهم في مطلع التسعينات، عادوا تدريجيا إلى الحياة السياسية، وساعدهم بالطبع سوء الأحوال الاقتصادية وبؤس الشعب.
نشاهد إيميلدا ماركوس وهي توزع المال على الفقراء في مواقف مختلفة. تسير وراءها سيدة تحمل حقيبة يدها، تناديها فتخرج رزم الفلوس وتعطي لأطفال مركز السرطان أو للمواطنين خلال جولاتها الانتخابية، وتردد "الحكومة الحالية ليس لديها قلب (...) الشعب يحتاج إلى أم". ثم تكرر مرات عدة، خلال الفيلم، حكاية أنها فقدت أمها وهي في الثامنة، وظلت طوال حياتها تبحث عن عطف الأم، لذا فهي تعرف قيمته جيدا وتشعر أنها أم لجميع أبناء الشعب. وهي تبرر العديد من الأفعال التي اقترفتها خلال فترة حكم زوجها أنها كانت "بدافع الأمومة"، والدفاع عن مصلحة الوطن، بما في ذلك الأحكام العرفية التي فرضها زوجها سنة 1972، فعلق عمل سائر المؤسسات الديمقراطية وسجن وعذب المعارضين، إلى ما غير ذلك، بما وضعه فوق المساءلة.
***
المخرجة لديها قدرة فائقة على إقناع الشخصيات بالمثول أمام كاميراتها. إيميلدا ماركوس تتحدث بأريحية، تتجول في قصرها القديم أو في شقتها الفاخرة حيث تقيم. تتأكد قبل بدأ التصوير أنها بكامل هندامها وأناقتها، وأن بروز بطنها قليلا لا يظهره الفستان. تقول إن الشعب بحاجة إلى مثال يتطلع إليه، إلى شخص قوي، وتروي تفاصيل صعودها من فتاة بسيطة إلى ملكة جمال مانيلا إلى زوجة ماركوس الذي طلب يدها بعد عشرين دقيقة من لقائهما وتزوجها بعدها بأحد عشر يوما. تحرص أن تؤكد على حبه لها، وإظهاره بصورة الزوج الحنون والزعيم المظلوم الذي دفن سنة 1998 في مقابر الأبطال القوميين بمانيلا، بعد تسع سنوات من وفاته. وبعدها مباشرة نستمع لإحدى صديقاتها وهي توضح كيف كانت تؤلمها خياناته المتكررة لها، وكيف كانت تستخدمها للحصول على ما تريد وتعظيم دورها، إذ صارت مبعوثه الخاص للرؤساء والقادة خلال الحرب الباردة.
يتقاطع كلامها مع الوقائع التي ترويها الأطراف المختلفة من المعارضة وشهود العيان. نستمع مثلا إلى شهادات أهل الجزيرة الصغيرة الذين هجرتهم بالكامل لتضع مكانهم الحيوانات التي أتت بها من كينيا، ونستمع أيضا إلى المقارنات بينها وبين السيدة كوري أكينو (الرئيسة الحادية عشر للفلبين التي توفيت في أغسطس 2009) التي كانت على درجة عالية من التعليم والثقافة ولم تكن تهتم بالمظاهر، بخلاف إيميلدا ماركوس التي تتصرف كالأغنياء الجدد وتهوى البذخ.
الفيلم لايرسم صورة فقط لماري أنطوانيت الفلبين، التي نجد مثيلاتها في العديد من الدول الأخرى، لكنه فيلما عن هشاشة الديمقراطية، عن شهوة السلطة وإدمانها، عن عودة اللهو الخفي وإعادة تمكينه، وعن التاريخ الذي يعيد نفسه وذاكرة الشعوب التي يصيبها الضعف والوهن أحيانا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيميلدا، أم الشعب إيميلدا، أم الشعب



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon