توقيت القاهرة المحلي 08:59:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وريث التنين

  مصر اليوم -

وريث التنين

بقلم: داليا شمس

ظهر على جانب شاشة الكمبيوتر إعلانا لخدمة سياحية تقدم لسعداء الحظ بمناسبة احتفالات الهالويين التي انتشرت في دول كثيرة تحت تأثير العولمة، والتي تقام ليلة 31 أكتوبر من كل عام على النمط الأمريكي بعيدا كل البعد عن الطقس الديني، وذلك بالتنكر في هيئة كائنات وأشخاص مخيفة ونحت القرع وإضاءة الفوانيس والمشاعل وقراءة القصص أو مشاهدة أفلام الرعب. الإعلان كان يقدم عرضا استثنائيا لشخصين، شامل وجبة الإفطار والمبيت بقصر دراكولا الأصلي في رومانيا، دون تليفون أو إنترنت، مع التأكيد على أن النوم سيكون داخل تابوت، لكي يكتمل إحساس رعب آخر الليل. لأنه وفقا لرواية الكاتب الأيرلندي برام ستوكر، التي خلدت شخصية دراكولا بصدورها عام 1897، يخرج الكونت دراكولا من قصره ليلا، بحثا عن فريسة يمتص دماءها فيزداد قوة وحيوية وشبابا، ومن المفترض أنه ينام خلال النهار في تابوت، وأن جسده لا ظل له، ولا يمكن رؤيته في المرآة.
مصاص الدماء هو شخصية ميثولوجية أسطورية، جاء ذكرها كثيرا في التراث الشعبي لبعض دول أوروبا الشرقية والبلقان، فيتردد عنه أنه يتغذى على جوهر الحياة (غالبا الدم)، ويزور أحباءه ويسبب لهم الأذى أو حتى الوفاة، تبرز أنيابه وتحمر عيناه، ويكون الجو مشحونا بالرهبة والحزن أينما حل. ولم يشع مصطلح مصاص الدماء إلا في أوائل القرن الثامن عشر، بعدها تطورت الشخصية في الخيال عام 1819 مع نشر كتاب "مصاص الدماء" لمؤلفه جون بوليدوري، ثم ذاع صيتها أكثر مع رواية برام ستوكر في القرن التاسع عشر، وتوالت تباعا النسخ المختلفة والأفلام والنجاحات.
لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن شخصية دراكولا التي نتخفى في زيها بمناسبة الهالويين مأخوذة عن الواقع، وأن صاحبها عاش بالفعل في القرن الخامس عشر، وأن قصره في رومانيا تحول إلى مزار سياحي ومطعم، يأتيه الناس من كل حدب وصوب، كما لو أنهم بحاجة إلى جرعة إضافية من الإثارة والخوف لكي يستمروا على وجه الحياة. لم يشبعوا من المدن التي تملؤها الرايات السود وقبور الموتى والمشانق، فراحوا يبحثون عن المزيد.
***
القصر محصن كبنايات القرون الوسطى بأبراجها وبواباتها الضخمة، ومن حوله شجر كثيف يحب الصمت. صرير الأبواب المغلقة حين تفتح تذكرنا بضحايا الأمير دراكولا، صاحب القصر المسكون، إذ يقال إنه قتل ما بين 40 ألف و100 ألف شخص في الزمن الغابر، خلال حروبه ضد الأتراك العثمانيين، رغم أنه بقى لديهم في الأسر ثلاث سنوات وصادق ابن السلطان، لكن ذلك لم يمنعه من الرغبة في الثأر لأهله وحكمه. اسمه الأمير فلاد الثالث، حكم رومانيا لفترات متقطعة بين عامي 1455 و1476، وعرف باسم أمير الظلام، وشهرته دراكولا أي ابن التنين، وقد ورث هذا اللقب عن أبيه الأمير فلاد الثاني الذي اكتسبه بسبب انضمامه لعصبة التنين السرية، وقد شملت مجموعة من أمراء ونبلاء أوروبا الشرقية والوسطى للوقوف بوجه المد التركي العثماني.
ورغم كل المجازر والفظائع التي اقترفها، إلا أنه يعد بطلا قوميا في نظر أغلب الشعب الروماني، بوصفه كان يدافع عن استقلال إقليم والاشيا الروماني ضد المطامع العثمانية والبلغارية. كتب هو نفسه في إحدى رسائله لملك المجر كيف قتل الفلاحين من الصرب والبلغار الموالين للأتراك بطول نهر الدانوب، فطير رؤوس 24 ألفا بخلاف من أحرقهم أحياءً في البيوت، ولكي يبرهن على صحة أقواله بعث للملك بحقائب مليئة بالآذان والأنوف المقطوعة. ُيروى أيضا أنه كان في غاية القسوة تجاه أقليات البلقان، فمثلا للتخلص من الشحاذين والمتشردين دعاهم إلى وليمة وأشعل النيران فيهم وهم أحياء، أما الغجر فقد خيرهم ما بين الإبادة أو الانخراط في جيشه. كان مولعا بالخوازيق، ففي إحدى صوره التاريخية يظهر بشاربه الكث وأنفه الطويل وهو يتناول طعامه، ومن حوله يعذب الجلادون الناس ويقومون بخوزقتهم أمامه، ولم يستثن النساء والشيوخ. وفي إحدى المرات، قام بتثبيت عمائم السفراء الأتراك بالخوازيق على رؤوسهم لأنهم لم يخلعوها احتراما له حين دخلوا بلاطه.
***
في قصره إذاً كان أنين وصراخ المخوزقين، فانتشرت الحكايات والأساطير حوله حتى قيل ضمن ما قيل إنه كان يستمتع بشرب كؤوس من دماء الضحايا بعد مزجها بالخمر.. درجة غير طبيعية من العنف والوحشية لكنها كانت واقعا وضمن التاريخ الدموي الطويل لأوروبا قديما، نعيشها في منطقتنا الآن تحت مسميات مختلفة. يحرق الدواعش ضحاياهم أحياءً ويمثلون بالجثث، ومصاصو الدماء الجدد ينتعشون على حساب أرواح الشعوب، والمدن تمتلئ كل يوم بالرايات السود وقبور الموتى والمشانق وورثة التنين وأحفاد دراكولا، فنشعر أننا لم نغادر القرون الوسطى. لا حاجة لنا للتنكر في الهالويين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وريث التنين وريث التنين



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon