توقيت القاهرة المحلي 21:07:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الكبت الصحفي

  مصر اليوم -

الكبت الصحفي

بقلم : داليا شمس

هناك انطباع أن أطرافا عديدة في كل مكان تتمنى وجود صحافة بدون صحفيين، وذلك أكثر من أي وقت مضى. حكام علاقتهم بالصحفيين مضطربة للغاية، يبعدونهم عن البيت الأبيض أو الإليزيه أو قصور الرئاسية والملكية عموما، ولا يرغبون في رؤيتهم في الكواليس. ورجال مال وأعمال يلجأون إليهم عند الحاجة، لكن لا يريدوا مخالطتهم أكثر مما يجب، يدعونهم لتغطية مهرجان أو حدث يقومون بتنظيمه، ويقبلونهم على مضض في حفلات الافتتاح والختام أو الاحتفاليات الخاصة، كما لو أنهم يمنون عليهم أو كما لو أنهم هم فقط من يتطاولون على أسرارهم ومجالهم الخاص ويسربون أخبارهم. 
صفات التلصص والتربص والتربح صارت ملتصقة بالصحفيين، وبعضهم ترسخ ممارساته الخاطئة هذه الصورة بالفعل، لكن ذلك يخدم أيضا مصلحة بعض من يحولونهم بالضرورة إلى متربحين مغرضين، يأكلون على كل الموائد ويوافقون على هذا النوع من العلاقة طالما تشملهم الفائدة والمكافآت التي قد تعتبر مجزية. 

علاقة شائكة، ازدادت تعقيدا مع اختفاء نمط العائلات المالكة تقليديا للصحف أو أشخاص من المهنة يؤسسون جرائدهم ويحلمون بتوسعها. لم يعد المجال وهامش الحريات والأزمات المالية والعوامل المختلفة تسمح كثيرا بهذا النوع من التطلعات، بل جعلت الملكية تنحسر أكثر فأكثر في أيدي السلاطين والمجموعات الاقتصادية العملاقة. وغالبا يحب أصحاب رأس المال امتلاك الصحف، على ألا توقعهم في مشكلات مع أولي الأمر وأصحاب القرار، حتى لا تتأثر مصالحهم الاقتصادية وتتحول لمصدر "وجع دماغ". وهكذا ندور في دوائر مفرغة، حتى مل القارئ منا جميعا، وفقد الثقة في الجميع، وبالتالي انعكس ذلك على أرقام المبيعات، وترجم إلى ظاهرة العزوف عن قراءة الصحف أو مشاهدة التليفزيون، فصار الناس في مصر مثلا يتابع معظمهم قناة "ماسبيرو زمان" ليغرقوا في زمن غير زمن، ويتمتعون بأحاديث كتاب كبار بحجم نجيب محفوظ ويوسف إدريس وطه حسين وغيرهم من نجوم رحلوا عن عالمنا. يتطلع المتلقي لهذه الأيام التي كان الصحفي فيها يسأل والضيف يجيب، وكانت العلاقة بين الصحفي والمصدر يشوبها الكثير من الاحترام الذي نفتقده، فكانت الحوارات الثرية والمفيدة دون تبجح.

صحف تموت واحدة تلو الأخرى، تذبل وتختفي أو تتحول عن مسارها. الجميع يتحدث عن أزمة قطاع الإعلام ونقص الإعلانات، وبصورة أقل عن الفارق بين الصحافة ومجال العلاقات العامة والاتصالات، وبصورة أقل وأقل عن أجور ومعاشات الصحفيين سواء التي صارت تصل إلى أرقام فلكية أو التي ظلت على ضآلتها منذ القرن الماضي. صار الصحفيون عناصر غير مرغوب فيها، الكثيرون منهم اضطروا لمعاش مبكر للغاية بحكم التعطل عن العمل. ولم يعد مفهوما متى سيبدأون في استشعار الخطر والتحرك للدفاع عن مهنة تحتضر ولن ينقذها سوى التكتل والحفاظ على أخلاقياتها وأدبياتها ومكانتها. أرغب في الصراخ في وجه بعضهم: اعتصموا بحبل المهنة جميعا ولا تفرقوا، فاستقلاليتكم أمام المصادر وندية التعامل هي التي تكفل عدم تحولكم لمجرد "كتبة" يملي عليهم البعض ما يجب أن يقال أو لا يقال. 
نشعر بالفارق الكبير بين جيل "ماسبيرو زمان" عندما نسمع مصطفى أمين يلخص مدرسته الصحفية بجملة واحدة في إعلان أحد البرامج القديمة: "للمواطن العادي الحق في أن يعرف ما يعرفه رئيس الجمهورية"! ثم نقرأ في اليوم التالي أخبارا عن المصير الغامض لهذا الصحفي أو ذاك، وعن أعداد الصحفيين الذين أوقفهم أردوغان في أعقاب الانقلاب الفاشل وكيف سجن 148 صحفيا، وأغلق 75 جريدة و28 قناة تليفزيون و32 راديو والبقية تأتي، في ظل علاقات مضطربة، كما لو أنها صرعة قد أصابت العالم ولن تهدأ في الوقت الراهن. آخر صرعة هي الصحافة "المكلومة" أو "المكتومة" أو "المكبوتة" حتى في دول مثل أمريكا وفرنسا، فما بالك بهذه المنطقة من العالم. صرنا نتكلم عن الكبت الصحفي أكثر من السبق الصحفي، وعلى المتضرر أن يفعل شيئا.

نقلا عن الشروق

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكبت الصحفي الكبت الصحفي



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
  مصر اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 11:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:30 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل
  مصر اليوم - جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل

GMT 21:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

سيد الناس يعيد بشرى للمشاركة في دراما رمضان
  مصر اليوم - سيد الناس يعيد بشرى للمشاركة في دراما رمضان

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:00 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء الروس يطورون طائرة مسيّرة لمراقبة حرائق الغابات

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 20:12 2024 الخميس ,15 آب / أغسطس

عمر كمال يوجه رسالة مؤثرة لأحمد رفعت

GMT 10:00 2016 الأربعاء ,09 آذار/ مارس

إصبع ذكي يعيد حاسة اللمس للاصابع المبتورة

GMT 23:53 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

مصمم مغربي يطرح تشكيلة راقية من القفطان الربيعي لموسم 2016

GMT 05:09 2015 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

توثيق ازدهار ونهاية مؤسس "داعش" أبو مصعب الزرقاوي

GMT 21:24 2017 السبت ,09 أيلول / سبتمبر

5 مواقف فتحت النار على سهير رمزي بعد خلع الحجاب

GMT 05:22 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

خبيرة موضة تقدم نصائح لارتداء فساتين الصيف خلال الشتاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon