توقيت القاهرة المحلي 08:50:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غيرة 2.0

  مصر اليوم -

غيرة 20

بقلم : داليا شمس

 صورة وضعها أحد الأصدقاء على الفيسبوك منذ أيام، تمثل مجموعة من الناس جلست حول مائدة طعام لتتجاذب أطراف الحديث بشكل طبيعي، وقد ألقوا بهواتفهم المحمولة في سلة، بعيدا عنهم، حتى لا ينشغلوا بها ويتفرغوا لبعضهم البعض، ذكرتني تلك الصورة بالفيلم الإيطالي الذي عرض في القاهرة قبل بضعة أشهر، بعنوان "غرباء بالكامل" (Perfetti sconosciuti) للمخرج باولو جينوفيزي، والذي قرر فيه أصدقاء قدامى أن يلعبوا لعبة على العشاء اكتشفوا من خلالها أنهم لا يعرفون الكثير والكثير عن بعض، وأن في حياتهم العديد من الأسرار. ظهر الجانب الخفي في شخصياتهم عندما وضعوا هواتفهم المحمولة على مأدبة العشاء، بشرط أن يردوا على مكالماتهم ورسائلهم علنا أمام الجميع. خيانات وعلاقات سطحية وكذب وخلافه فضحها الصندوق الأسود الصغير الذي لا نفارقه ولا يفارقنا، والذي يحكم البعض إغلاقه وإخفاء ما فيه بواسطة أكواد مشفرة، فوفقا للإحصاءات نحن نمضي حوالي 58 دقيقة يوميا في المتوسط بصحبة الهواتف الذكية والألواح الإلكترونية، و 76 دقيقة لمتابعة شبكات التواصل الاجتماعي، وعشرين دقيقة لمشاهدة فيديوهات، ونصفنا يقضي سبعين دقيقة على الإنترنت قبل النوم مباشرة. هذا معناه أننا بحاجة ماسة إلى "نقاهة رقمية" وأن هذا الصندوق الأسود الذي يصاحبنا في السرير هو أكثر ما يلقي بظلاله على علاقاتنا الشخصية، بل ويتسبب في مشاكل زوجية كثيرة، ترتبط بما يسمى: " الغيرة 2.0"، نسبةً إلى مصطلح ويب 2.0 الذي يشير إلى الجيل الثاني من مواقع وخدمات الإنترنت التي ساعدت على وجود شبكات التواصل الإلكتروني وأخواتها.

***

لم تعد آثار أحمر شفاه على ياقة قميص أبيض ناصع أو رائحة عطر نسائي فواح هما ما يثيران الغيرة، بل رسالة نصية أو مكالمة مبهمة في ساعة متأخرة أو اسم حبيبة سابقة على الفيسبوك قد تشعل النيران ولا تهدأ. ولأن شركات المعلوماتية والتكنولوجيا الحديثة تعرف ذلك جيدا فقد صممت برامج للتنصت على تليفونات الأزواج والزوجات تسمح بتعقب الصادر والوارد، كما طرحت برامج أخرى للتشويش على هذه الأخيرة ومقاومتها، وفي الحالتين المكاسب مضمونة، فالمشاعر وردود الأفعال الإنسانية هي ذاتها لم تتغير منذ بدء الخليقة، مهما بلغت الدرجة العلمية أو مرتبة الأشخاص.

التطور الذي حدث لم يطرأ على ردود الأفعال أو السلوك بقدر ما عدل في المفاهيم والأطر والأدوات وقواعد اللعبة، بمعنى أن الخيانة كانت دائما موجودة وستظل، مثلما الغيرة والحب والكره، لكن الإنترنت والهواتف الذكية جعلتنا نطرح أسئلة أخرى حول مفاهيم الخيانة وشكلها وحدودها، وهنا تختلف الآراء وتطغى فكرة النسبية، فما يعتبره البعض شيئا عاديا لا يتعدى تواصل برئ على الواتساب أو الماسنجر أو الفايبر، ينظر إليه البعض على أنه خيانة افتراضية. وتنطلق التحليلات النفسية على هذا النحو: هل من يدمن مكالمات ورسائل شخص يسعى للإغواء وإثبات الذات؟ أم يهرب من الروتين وعلاقة أكل عليها الدهر وشرب؟ أم يحب تكسير القواعد ويرغب في الممنوع؟ أم يعبر عن شيء ما ينقصه أو يبحث عن جزء منه فقده في ظل الارتباط؟ أم يشاغب لفرط عقد زواج لم يعد يرضيه؟ أم يخلق لنفسه صومعة افتراضية يريدها أن تسير بالتوازي مع حياته الواقعية؟ كما تتبلور أسئلة أخرى حول ماهية وحدود الخيانة: هل هي جسدية أم شفهية أم ذهنية أم عاطفية أم افتراضية؟ طالما ما يمكن أن يقبله شخص، يرفضه آخر، خاصة في ظل التنوع الذي يوفره إنترنت حين سهل مثلا تواصلنا مع الحب الأول بعد غياب، أو قرب المسافات بين مجهولين لم يكن ليتعارفا إلا من خلاله، بل ويتلازما على مدار 24 ساعة، كما لو كانا يعيشا معا، وهما ربما في بلدين مختلفين.

***

ربما الفيصل هنا هو أن يضع كل طرف نفسه مكان الآخر، ويرى إن كان سيقبل بهذا الفعل أو ذاك من شريكه. بعض الشباب يتبادل الأكواد المختلفة الخاصة بالهواتف المحمولة أو حسابات الفيسبوك إلى ما غير ذلك، كدليل على الثقة. وآخرون وضعوا قواعد أخرى لهذه الثقة على النحو الذي يريحهم. لكن الأساس هو القبول بتغير قواعد اللعبة وبأننا نعيش عصرا مختلفا فيما يتعلق بالشفافية والمراقبة، فالتكنولوجيا تخفي وتفضح، تساعد على التواصل كما قد تسارع بالنهايات وتكتب جملة الختام. تقدم صورا وتنويعات لما كان موجودا بالفعل، من خلال أدوات أكثر غواية ودون بذل مجهود. تجعلنا نرى الآخر وعلاقتنا به بشكل آخر.

نقلا عن الشروق القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غيرة 20 غيرة 20



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon