توقيت القاهرة المحلي 07:25:25 آخر تحديث
  مصر اليوم -

انتفاضات إيران و إنتاج الديكتاتورية

  مصر اليوم -

انتفاضات إيران و إنتاج الديكتاتورية

بقلم - بشير عبدالفتاح

تشي أدبيات الثورات بأنها قد تستغرق حيناً من الدهر كي تؤتي أُكلَها، وأن القليل منها هو الذي يصل إلى منتهاه ليبلغ مبتغاه. وليست بدعاً الثورة الإيرانية التي اندلعت عام 1977 ولم تتمكن من إسقاط نظام الشاه إلا عام 1979، إذ لم يكن التخلص من أوليغارشية الشاه وديكتاتوريته كفيلاً بالعروج بالبلاد إلى واحة الديموقراطية والتنمية. فلم تكد تمضي سنوات قلائل على طي صفحات العهد البهلوي، حتى وجد الإيرانيون أنفسهم أسرى ثيوقراطية نظام الولي الفقيه، الذي انفرد بالسلطة وباشر عملية الإقصاء الممنهج لبقية التيارات السياسية والفكرية التي صنعت ثورة الشعب. ومنذ الثامن والعشرين من الشهر الماضي، تترنح إيران على وقع موجة ثورية تصحيحية للثورة الأم، وإن بدت محفوفة بمخاوف جمة وهواجس شتى من أن تتمخض، إذا ما نجحت في إسقاط نظام الولي الفقيه من دون أن تقدم بديلاً مدنياً ديموقراطياً، عن إفساح المجال أمام الحرس الثوري لانتزاع الحكم بذريعة ملء الفراغ السياسي، الأمر الذي يفضي إلى إعادة إنتاج التسلط والقهر بحيث يجد الإيرانيون أنفسهم وقد انتقلوا من سطوة الثيوقراطية الدينية الفاشية، إلى ربقة الديكتاتورية العسكرية المتسلطة بقيادة الحرس الثوري.

فمنذ خلافة خامنئي الخميني عام 1989، تنامى وتشعّب دور الحرس الثوري، المساند للمرشد الجديد المضطرب، في شكل لافت. فالحرس يهيمن على ما يفوق 40 في المئة من اقتصاد البلاد بعدما بات أكبر المستفيدين من سياسة الخصخصة التي أتاحت تحويل قرابة 90 في المئة من المؤسسات والمشاريع الحكومية إلى شركات تابعة له وللمرشد. كما بسط هيمنته على إمبراطورية اقتصادية ضخمة تتضمن شركات للنفط والتجارة وصناعة السلاح وغيرها، الأمر الذي مكّنه من تطوير منظومة ضمَنت له ولاء ملايين الإيرانيين، الذين خرجوا بعد أسبوع على اندلاع الاحتجاجات الأخيرة في تظاهرات مضادة لتأييد الطغمة الحاكمة والتنديد بالمعارضين. ونجح الحرس الثوري في نشر رجاله في مواقع حساسة ومناصب مهمة في مؤسسات الدولة. كما أحكم سيطرته على البلاد بعدما تفاقمت قدراته العسكرية والأمنية والاستخبارية، التي ترتكن إلى منظومة عتيدة تتمثل في: مجمع صناعي عسكري، مؤسسات إعلامية، ثلاث وكالات استخبارية منفصلة، موالاة قوات الباسيج وتنظيمات مدنية مدرّبة، فضلاً عن الإشراف على العمليات العسكرية والسياسات التدخّلية في الخارج. وبمرور الوقت، ومع تعاظم دوره في قمع الموجات الثورية المتتابعة التي هزّت البلاد طيلة العقود الأربعة المنقضية؛ بغية تصحيح مسار الثورة الأم، بدأ الحرس الثوري يتطلع إلى ترجمة نفوذه المتعاظم داخلياً وخارجياً، إلى حضور طاغ في معادلة السلطة والحكم، ربما يلامس الحلول محل الملالي، محاولاً استثمار الفراغ السياسي الذي من المحتمل أن يحدث جراء غياب البديل المدني المناسب.

وتوخياً لبلوغ غايته تلك، لم يدخر قادة الحرس وسعاً في إجهاض الموجات الثورية التصحيحية. واليوم، لا يتوانى الحرس عن تقويض الموجة الثورية الأخيرة، بعدما تجاوزت الخطوط الحمر وتحدّت التهديدات والتحذيرات بتصفية المشاركين فيها، كما طالت التابوات السياسية بتوجيهها الانتقادات للخميني، مؤسس نظام الولي الفقيه، ومطالبتها بالموت والسقوط للمرشد الحالي والرئيس روحاني وقيادات الحرس الثوري.

ولما كان الحرس الثوري هو المعني بصيانة التوجه الإسلامي للبلاد وحماية نظام الولي الفقيه، فقد أبت قياداته إلا مواصلة عملية التجريف الممنهجة للتربة السياسية الإيرانية وتجفيف روافد طبقتها السياسية عبر عمليات القمع والإقصاء المتواصلين لرموز النخبتين الفكرية والسياسية، متوسلة بتقويض أي بديل مدني. وحرص الحرس الثوري على تجاوز اختصاصاته وانتهاك الدستور عبر الاضطلاع بدور مركزي في اختيار خليفة المرشد الحالي، الذي يحاصره الدهر وينهكه الداء العضال، من خلال الدفع برجل الدين المتشدد إبراهيم رئيسي، الذي سبق للحرس أن دعمه خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة ضد روحاني. وعلى رغم تواضع مؤهلاته وجهوزيته لتولي المنصب، إلا أن علاقة رئيسي القوية بالدولة العميقة وموالاته المطلقة للحرس الثوري، كفيلتان بتعزيز فرصه في اقتناص أرفع منصب ديني وسياسي في البلاد، ليكون ستاراً لزحف الحرس صوب تحقيق غاياته. وإذا ظلّت الساحة السياسية الإيرانية مفتقدة لتيار مدني ديموقراطي بمقدوره تقديم بديل أفضل، فلن يكون عصياً على الحرس الثوري بلوغ مآربه في استغلال الموجات الثورية التصحيحية المتتابعة للانقضاض على السلطة يوماً ما. وحينئذ لن يكون بمقدور ثورة إيران التعسة والممتدة أربعة عقود، النجاة من التيه.

نقلا عن موقع الحياه اللندنيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتفاضات إيران و إنتاج الديكتاتورية انتفاضات إيران و إنتاج الديكتاتورية



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon