بقلم - بشير عبدالفتاح
خلال «منتدى شباب العالم»، الذي اختُتم أخيراً في شرم الشيخ، أعرب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مجدداً عن حرص مصر على دعم أمن السعودية واستقرارها، مشدداً على أن الجيش المصري لن يقف مكتوف الأيدي إذا تعرض أمن الخليج لخطر جدي.
بيد أن تصريحات السيسي بخصوص الالتزام المصري بأمن الخليج هذه المرة تكتسب أهمية بالغة، من زوايا عدة: أولاها، انبعاث الخطر الداعشي في سورية والعراق، وثانيتها، تنامي المخاوف من لجوء إيران إلى تصعيد التوترات في المنطقة، رداً على العقوبات الأميركية. أما ثالثتها، فتمثّلت في تعزيز أواصر التعاون العسكري والتنسيق الاستخباراتي بين مصر ودول الخليج من خلال تواتر التدريبات العسكرية المشتركة.
ومع تعاظم التهديدات الإرهابية، خصوصاً بعدما أضحت المنظمات والميليشيات المدعومة من أجهزة استخبارات، تمتلك من القدرات المالية والتسليحية والتسهيلات اللوجيستية، كما تتبنى من الأهداف والمقاصد ما يهدد بقاء الدول الوطنية وينذر بتفكيك الجيوش النظامية، خصوصاً بعد التحول المريب في استراتيجيتها الخرقاء من تهديد الأنظمة وترويع المواطنين إلى احتلال الأراضي والسيطرة على المرافئ الحيوية والهيمنة على الثروات والموارد الطبيعية، وصولاً إلى إقامة كيانات مستقلة، على شاكلة إعلان ما كان يعرف بالدولة الإسلامية في العراق والشام عام 2014. وحرصت التدريبات العسكرية المشتركة بين مصر ودول الخليج على أن تتضمن مراميها مواجهة الإرهاب والتعامل مع عمليات القرصنة البحرية، والتدريب على عمليات الإنزال الجوي في مناطق يصعب التحرّك فيها بمعدات ثقيلة، إضافة إلى التعرف على التكتيكات الحديثة في التعامل مع الأهداف الحيوية، واحتراف حروب الصحراء والعصابات التي تعتمدها التنظيمات الإرهابية. بموازاة ذلك، شكَّلت مشاركة مصر في مختلف الفعاليات الأمنية المهمة في منطقة الخليج، مثل «القمة السنوية لحوار المنامة حول أمن الخليج»، و «منتدى دبي الاستراتيجي العربي»، خطوة مهمة على طريق انخراط مصر المعمَّق في الجدل الاستراتيجي الخليجي، الذي بات يولي اهتماماً ملحوظاً للتهديدات الجديدة للأمن العربي وفي صدارتها الإرهاب.
وأبلى التعاون المصري- الخليجي بلاءً حسناً في التصدي للتهديدات الإرهابية بالجهود الذاتية، فبينما لم يكسر شوكة التهديد الحوثي المدعوم إيرانياً في اليمن منذ العام 2015 سوى التحالف العربي بقيادة السعودية من خلال عمليتي «عاصفة الحزم»، و «إعادة الأمل». يحدث ذلك فيم تتصدى مصر لخطر الإرهاب «الإخواني» من خلال جهود متصلة تكلَّلت بعملية «سيناء الشاملة 2018».
ويرتكن الدور المصري في حماية أمن الخليج على ركائز شتى، أبرزها: واقعية الرؤية والتصور، حيث اتسم طرح الرئيس السيسي في هذا الصدد بالحكمة والاتزان، إذ أوضح أن حدود التحرك المصري في التعاطي مع أزمات المنطقة وقضاياها مرتهنة بإمكانات مصر وقدراتها التي تصطدم بحالة الانكشاف الاستراتيجي الفجَّة التي تخيم على المنطقة منذ العام 2011، فضلاً عن مدى تعقيد وتشابك تلك الأزمات والقضايا، علاوة على آفاق التنسيق وفرص التعاون بين الدول العربية على المستويات كافة. فعلى رغم ما يعتريها من ملمات وتحديات، تبقى مصر الطرف الإقليمي الأكثر جاهزية لملء الفراغ الناجم عن الاستدارة الجيواستراتيجية الأميركية من المنطقة صوب شرق آسيا، بفضل ما تحوزه القاهرة من مقومات، ليس أقلها قدرة الجيش المصري على الاضطلاع بمقتضيات أمن الخليج من التعامل مع الصراعات المسلحة كافة، مروراً بمواجهة أعمال التمرد ومكافحة الفوضى ودعم الاستقرار، استناداً إلى ما يمتلكه الجيش المصري من قدرة على القيام بعمليات نوعية وخوض معارك تكتيكية ناجزة. أما في ما يتصل بمحاربة الإرهاب، فإن مصر تضع خبرتها ونموذجها الرائد في هذا الصدد»، بين يدي دول الخليج كي تستفيد منها في تقويض التنظيمات الإرهابية وتجفيف منابعها التمويلية والتسليحية، بالتوازي مع تقويض الروافد الفكرية ودحض الحجج الفقهية المعوجة لتلك التنظيمات الراديكالية عبر الدور التنويرى الحضاري للأزهر، الذي يعد منارة للإسلام الوسطي المعتدل.
تبقى مصر كذلك هي القوة الإقليمية المؤهلة لحفظ أمن الخليج حماية لمصالحها ووفاء بالتزاماتها حيال أشقائها بغير أطماع أو نزعات توسعية. وعلى خلاف التدخل العسكري الأميركي في الخليج والذي يثير غضب الإيرانيين ويستفز نزعاتهم العدوانية، لا تبدي طهران استياءً حيال أي دور مصري مقترح في أمن الخليج، وهو الأمر الذي وضُح في تصريحات مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون الأفريقية، أمير عبد اللهيان، بأن إيران لا تنظر إلى تصريحات الرئيس السيسي التي شدد خلالها على أن أمن مصر من أمن الخليج، بفهم عدائي.
نقلا عن الحياه اللندنيه
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع