بقلم - محمد بدر الدين زايد
في ظل تصعيد خطير لأزمات المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية مروراً بأزمات سورية واليمن، تشهد ليبيا تطورات مهمة تستدعي اليقظة والجدية في آن واحد. كان أبرز هذه التطورات ما نقلته وكالة «رويترز» أخيراً عن كشف سفينة تركية محمّلة بالمتفجرات وربما أيضاً أسلحة في طريقها إلى ليبيا. وأشار الخبر إلى أن السفينة تحمل علم دولة آسيوية، وأنه بحسب أوراقها كان يفترض أن تتوجه إلى السواحل الأفريقية الشرقية، لكن تبيّن أن وجهتها الحقيقية ليبيا. ولولا أن الطرف الذي كشف هذه الواقعة هو اليونان، ربما ما اهتمت رويترز بإبراز الخبر، مثلما فعلت بالتطورات الأخيرة المرتبطة بهذه القصة ومثلما فعلت منابر إعلامية أخرى غربية في ما يتعلق بهذا الموضوع وحوادث أخرى مشابهة. وعموماً لم تعط وسائل الإعلام الغربية الكثير من الاهتمام لاحقاً لقيام مصر بإحالة شكوى إلى الأمم المتحدة في هذا الصدد.
وربما نتذكر أنه في مرحلة سابقة تجاهلت وسائل الإعلام الغربية الأخبار التي نقلتها بعض وسائل الإعلام العربية نقلاً عن مصادر ليبية من نقل سفينة تركية بتمويل قطري لعناصر من «داعش» من سورية والعراق إلى ليبيا. وهو الحدث الذي كان سببا في اختلال التوازن في معركة مطار طرابلس قبل سنوات عدة بين قبائل الزنتان التي كانت تسيطر على محيط المطار لصالح الدولة المدنية وتعوق محاولات الميلشيات المتطرفة للسيطرة على المطار. وأدى تدعيم المتطرفين بقوات وعتاد إضافي إلى اضطرار قوات الزنتان للانسحاب من محيط المطار، واكتساب القوى المتطرفة مساحة نفوذ أكبر غرب ليبيا، لتعويض خسائرها وتراجعها في مناطق الشرق بعد تحرك الجيش الليبي الوطني ضدها.
أتفهم، ويتفهم العالم، أن يكون تركيز الإعلام والجانب الغربي عموماً على أخبار اللاجئين غير الشرعيين في ليبيا، وعلى إنقاذهم أو غرقهم وكل ما يخص هذه القضية عموماً، بتأثيرها البالغ في الدول الأوروبية من نواحي الحياة اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً، ومن ثم سياسياً، ولكن لا يمكن إنكار التجاهل المتعمد لاستمرار التساهل الغربي في ما يتعلق بمحاولات فرض العناصر المتطرفة في ليبيا. فأخيراً قادت عناصر متطرفة تابعة لقيادي يدعى «البقرة» هجوماً على أحد السجون في محيط مطار معيتيقة في طرابلس لمحاولة إطلاق سجناء تابعين للقاعدة وداعش. واللافت أن المستهدف كان قوات تابعة لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الغرب والنظام الدولي كله، كونها الحكومة المنبثقة من اتفاق الصخيرات الذي رعته الأمم المتحدة، ودعمه العالم العربي برغم الثغرات المحيطة به. ونظراً إلى المشهد المحيط بهذه المعركة يكشف صعوبة الوضع الليبي، فالقوى الداعمة لحكومة الوفاق معظمها من السلفيين المعادين للقاعدة وداعش، بينما الطرف الآخر المؤيد لحكومة الإنقاذ التي يرأسها خليفة الغويل، كان ولا يزال يحظى بتأييد كل من تركيا وقطر، واتضح ذلك بعد كشف موضوع السفينة. من ناحية أخرى توقفت جهود المبعوث الدولي للأمم المتحدة غسان سلامة أو هدأت قليلاً. فحقيقة الأمر أن تعديل اتفاق الصخيرات وإشراك البرلمان الليبي وقائد الجيش خليفة حفتر أو احتوائه في شكل أو آخر في صيغة الوفاق الوطني تبدو بعيدة للغاية في وقت لا تمارس فيه هذه الصيغة أو حكومتها برئاسة فائز السراج سيطرة حقيقية على الغرب الليبي. بل هي مؤيدة ببعض عناصر الإسلام السياسي الإخواني والسلفي وبعض القوى المدنية والمناطقية، ضد «داعش» و «القاعدة»، وضد خليفة حفتر، لكن هذه العناصر السلفية والإخوانية المعادية لـ «داعش»، قد تتحالف معه ضد القوى المدنية وخليفة حفتر مثلما فعلت في السابق ضد رئيس الوزراء السابق علي زيدان إذا لزم الأمر، أو إذا حدثت مواجهة وحاولت التيارات المعتدلة الحقيقية أن تقترب من السيطرة على الساحة الليبية. ونعود إلى الموضوع الرئيس وهو مسألة السفينة التركية التي يجب ألا تمر مرور الكرام، فهناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الحكومات العربية والجامعة العربية والإعلام العربي في هذا الصدد. فحسناً أن أعلنت الأمم المتحدة بدء تحقيقات في الشكوى المصرية ولكن متابعة ذلك تقتضي أكبر قدر من الجدية العربية، فأن يتصور العالم العربي أن معركة ليبيا هي معركة منفصلة عن مجمل الصورة الأكبر والصراع في المنطقة، فسيصبح هذا خطأ كبيراً. فالأشكال الذي نعرفه جميعاً يتمثل في أن حدة الأزمات الدولية والعربية تؤدي إلى فقدان التركيز وسرعة النسيان، ما يسمح أن تهرب تركيا بفعلتها مثلما حدث في السابق. فمعركة ليبيا ليست فقط شأن الشعب الليبي، ولا فقط تهديد لمصر من حدودها الغربية، حتى لو اختلف العالم العربي في ما إذا كان تهديد أمن مصر تهديداً للأمن العربي أم لا، ففي الحقيقة أن هذه المعركة هي معركة الإسلام السياسي، وفرض الدور التركي والقطري في المنطقة بامتدادات هذا المشروع، فإما أن يتم التعامل مع هذه القضية بأبعادها الاستراتيجية الشاملة وبرؤية متكاملة، أو أن تستمر المعالجة الجزئية، وتوهم أنها معركة الشعب الليبي وحده أو حتى مصر ودول جوار ليبيا وحدهم، بينما تستمر محاولات فرض الأمر الواقع التدريجي في ليبيا التي سيكون سيطرة مشروع الإسلام السياسي عليها الكامل، ليس فقط تهديداً لدول شمال أفريقيا العربية كلها، وإنما انتصاراً لمشروعِ سيدمر ما تبقى من المصالح الجوهرية العربية وما تبقى من أمل يضعف من أجل إنقاذ ما تبقى من النظام الإقليمي العربي، وعلى المتشائمين والأقل تشاؤماً، فمن الصعب التفاؤل الآن، أن يعلموا أن معركة ليبيا هي أحد المحاور الرئيسة للصراع على إنهاء أو احتمال إبقاء هذا النظام، مع فارق أن انتصار مشروع الإسلام السياسي في ليبيا، بعد فشله في سورية والعراق يعني الكثير في ما يتعلق بتجدد المخاطر والاحتمالات لهذا المشروع الظلامي.
نقلا عن موقع الحياه اللندنيه