توقيت القاهرة المحلي 06:41:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

واشتعلت نيران العمران الرأسي

  مصر اليوم -

واشتعلت نيران العمران الرأسي

بقلم: مأمون فندي

في هذا العمران الأفقي المفتوح الذي تختلط فيه فكرة الزمان بالمكان بالروح، متعدد الأبواب والمسارات وربما الأبعاد، يحس الإنسان بمتعة لكل نفس يخرج من الصدر أو صوت يصدر من اللسان أو هديل حمامة على النخلة أو شجرة الليمون. عالم متكامل، موسيقى ونسيج وشبابيك وزينة من الطيور والأنعام. وهنا أستطيع القول إن الجنة هي المعمار الذي يبنيه الإنسان بصورة مناسبة تسمح بانسيابية الروح والجسد معاً، لذلك يجب أن يبني كل منا البيت الذي يشبه روحه وحركة جسده وحركة من يحب من بشر أو طير أو شجر، وبرؤية متطرفة أقول أيضاً إن البيوت يجب أن تكون مثل بصمة الإنسان، كل يسكن فيما يناسبه لا ما يناسب غيره. الكل يستطيع أن يبني بيتاً كبيتنا، يكون له جنته، كما كان بيتنا جنتنا، ولكن هذا يتطلب ثقة حضارة تكون حصانة ضد التقليد وضد الموضة في المعمار، وحتى في الملبس كمعمار للجسد.
ورغم كل هذا، كانت تراودني أسئلة عن كيفية العيش في عمران رأسي من بيت متعدد الطوابق ذي حجرات متخصصة لأغراض محددة. عمران الخصوصية المغلق.
وكانت العمومية لا الخصوصية هي الأساس في عمران بيتنا القديم، كما كانت العمومية لا الخصوصية هي الأصل في علاقاتنا الإنسانية أو المفهوم الحاكم لعمار بيتنا وعمار نفوسنا. ولما تغير اقتصاد قريتنا وذهب الناس للعمل في بلدان الخليج، وكان أكثرهم يعملون في الكويت دون غيرها، حفنة ذهبت إلى السعودية ولكن كان الذهاب إلى السعودية لغير الحج في قريتنا أمراً نادراً، كانت الكويت قبلتهم، ولما عادوا بنوا بيوتاً من أكثر من طابق، كشفت بيوت الآخرين، ومن غير المقبول في مجتمع صعيدي محافظ أن يكشف دارك جار ينظر إليك من طابق أعلى من كوة أو شباك في منزله الإسمنتي الجديد، وفجأة شبت في القرية نيران البناء الرأسي وبقي بيتنا لفترة بالنسبة لنا هو جنة بين هذه النيران المشتعلة، ثم ما لبثت أحوالنا الاقتصادية أن تغيرت وأيضاً خضعنا لفكرة المعمار الرأسي كحل للحفاظ على الخصوصية. انتقلنا من خلال عمران الحداثة الرأسي إلى التفاعل مع موضوع الخصوصية‏، ‏ وتقسيم البيت إلى أحواض وعلب مكانية‏، ‏ وبدلاً من ذلك الوجود والعمران الأفقي المتمثل في أربعة حيطان‏، ‏ تمددنا رأسياً‏، ‏ ودار في البيت حوار استمر شهوراً للحديث عن علاقة الترابط الأسري السابق الموجود في عمران الحيطان الأربعة بعملية التفكيك التي قد تحدث للأسرة ولعلاقات بعضنا ببعض نتيجة للبناء الرأسي‏.‏
بيتنا الأفقي ذو الدور الواحد كما أسلفت كان مفتوحاً، وسطه أشجار نخيل وشجرة ليمون وارفة في المنتصف، تشم عبقها ونستظل بها وتحتها سرير من سعف النخيل وحصيرة نستلقي عليهما وقت الظهيرة أحياناً وبعد الغروب للسمر، كانت قطعة من الجنة زمانياً ومكانياً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشتعلت نيران العمران الرأسي واشتعلت نيران العمران الرأسي



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon