توقيت القاهرة المحلي 02:08:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السودان وكارثة سوء الفهم (2)

  مصر اليوم -

السودان وكارثة سوء الفهم 2

بقلم - مأمون فندي

حتى الآن لم نتحدث عن الضلع الثالث من المثلث وهو القوى المدنية، التي من المفروض أنها تمثل الحكومة الانتقالية على غرار حكومة عدلي منصور في مصر بعد نهاية حكم الرئيس محمد مرسي، وكما كانت الحال في مصر عندما انتقى الجيش مدنييه أو المدنيين الذين يوافقون مزاجه، فإن معظم المدنيين الذين مثلوا حكومة حمدوك كانوا على مزاج كل من حميدتي والبرهان. ولهذا كان المكون المدني دوماً منقوص الشرعية، فرغم أن المدنيين في السودان أكثر تنظيماً من الحالة المصرية فإن الحالتين شابهما الضعف والتبعية للمؤسسة العسكرية. الفارق بين الحالتين هو أن «الكيزان» كما يشير أهل السودان لـ«الإخوان» هم جزء أساسي من الجيش والوزارات المختلفة من الخارجية إلى المالية والمخابرات أيضاً، وهم من لديهم تواصل أقوى وأسرع مع قوى خارجية، هم الدولة العميقة، والحال في مصر كانت غير ذلك حتى في سنة «الإخوان». وليس «الكيزان» وحدهم من يتمتعون بدعم إقليمي، فحميدتي أيضاً يتمتع بدعم إقليمي ودولي. فالاتحاد الأوروبي مثلاً يدعم حميدتي، ومن يتابع إسهامات كل من فرنسا وإيطاليا يدرك أن هاتين الدولتين أسهمتا بكثير من التكنولوجيا المتقدمة لدعم حميدتي و«الدعم السريع»، كما أن الاتحاد الأوروبي لا يدعم نزوح السودانيين إلى مصر والدول المجاورة؛ لأنه يعرف أن هذه الموجات البشرية سينتهي بها المطاف على شواطئ أوروبا.

مهم جداً أيضاً أن نعلم أن هناك قوى كثيرة في دارفور وجبال النوبة يلعبون لعبة الانتظار؛ لأنهم يعرفون متى ما قضى البرهان أو حميدتي على منافسه، فإنه سيستدير ليغدر بهم، ولذلك هم يقفون على الحياد في هذه المعركة، هؤلاء الناس الذين تعوّدوا تاريخياً على حروب أفريقيا تحت غطاء الإفلاس أو الثراء السريع، فالنخب في هذا الجزء من العالم تعيش في مراكز النهب الاستعمارية القديمة، والخرطوم واحدة منها، فمتى ما أفلس هؤلاء أطلقوا أعيرة النار من أجل غزو وسلب جديد.

وهناك نظارة الهوية، وهذا حميدتي يقدّم نفسه من منظور خلدوني، فهو ليس عربياً قحاً من الرزيقات ومن فخذ (المهارة)، ولكنه رجل قادم من عالم البداوة ذات العصبية القادرة والممثلة في «الدعم السريع»، والتي ترى أن العمران الحضري في الخرطوم قد ترهل، وحانت لحظة عصبية فتية قادمة من الأطراف للسيطرة على المركز. لاحظ أن كل المتحدثين باسم البرهان أو حميدتي يتباهون بفكرة العروبة قبل فكرة الدولة الوطنية السودانية.

في ظل هذا التلوث المعلوماتي الذي يحجب عنّا رؤية المسألة السودانية لا بد من تفكير متجاوز لهذا التلوث. إذن بداية تصور الحل يمكن اختصارها بأن وجود حميدتي وقوة «الدعم السريع» ضرورة كعامل يوازن خطر «الإخوان» في الجيش والوزارات الأخرى، وأن التخلي عن حميدتي وميليشيته يخل بهذا التوازن. هنا نتحدث عن توازن الضعف بين حميدتي والبرهان لا توازن القوة. توازن الضعف لا توازن القوة. وتوازن الضعف هذا ربما هو الذي قد يؤدي إلى ميلاد حكومة مدنية قابلة للاستمرار. ولكن ميلاد الحكومة يحتاج إلى قابلة وحتى هذه اللحظة لا نرى قابلة واحدة. احتضان البرهان تماماً في ظل تغلغل «الإخوان» في مؤسسات الدولة في ظل مكون مدني ضعيف يعني أنه حتى لو تم تسليم السلطة للمدنيين كما يدعي الطرفان، فإن انقلاباً وشيكاً لا بد أن يحدث بعدها بعام أو أقل قليلاً.

إذن، ما هي الخلطة السحرية التي يمكن أن تنقذ المشهد مؤقتاً في السودان حتى نصل إلى مرحلة انتقالية تحفظ التوازنات على الأرض، وتقلل من شكوك أضلاع المثلث الثلاثة، الجيش و«الدعم السريع» والحركة المدنية، من أجل الوصول إلى استقرار قابل للاستدامة؟

قد يكون مفيداً أن يتم تطهير الجيش وبعض الوزارات من جماعة «الإخوان» مقابل إعادة تأهيل قوة «الدعم السريع»، ودمجها في الجيش بشروط مهنية، وليس كما طالب حميدتي في السابق، كما أنه يقبل حميدتي بصفقة أساسها الحفاظ على أمواله خارج السودان، شريطة أن يكون صانع ملوك وليس ملكاً، أي أنه يرشح من القوى المدنية من يريد، ولكنه يبقى في الخلفية ممسكاً بكل الخيوط، واثقاً أن البرهان يمكن استبداله، ولكن حميدتي باقٍ إلى الموت. ومع ذلك لا بد لحميدتي أن يعض الرصاصة ويقبل بفكرة أن الاتفاق المستدام لا يمكن أن يحدث إلا بخروج قوات «الدعم السريع» من المدن أولاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان وكارثة سوء الفهم 2 السودان وكارثة سوء الفهم 2



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:14 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
  مصر اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك
  مصر اليوم - الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 14:07 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"يوتيوب" يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي
  مصر اليوم - يوتيوب يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا

GMT 09:43 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كباب بالزعفران
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon