توقيت القاهرة المحلي 02:08:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل يكسب بوتين الحرب؟

  مصر اليوم -

هل يكسب بوتين الحرب

مأمون فندي
بقلم - مأمون فندي

رغم تقدم القوات الأوكرانية خلال الأسابيع الفائتة، واستعادتها لأراض سيطرت عليها القوات الروسية، فإن مصير هذه الحرب حتى الآن يبقى مجهولاً، وربما نتيجتها تصب في تحقيق أهداف بوتين من الحرب أكثر مما تحقق رغبات الولايات المتحدة. أقول ذلك بناء على ما نعرفه من العلوم السياسية التي ترشدنا في فهم ما يجري وربما نتائجه على مستوى النظام العالمي. إلا أن العلوم السياسية تقول لنا القليل عن اللاعبين أنفسهم؛ لأن ذلك يتعلق بعوامل كثيرة؛ أولها ما يعرف في فرع جديد من العلوم السياسية بـ«البايوبولتكس (biopolitics)»، وكنت محظوظاً أن أتعرف على هذا الفرع من أستاذنا غليندون شوبرت (Glendon A Schubert)، وهو مؤسس هذا الفرع الأكاديمي من العلوم السياسية الذي يرى اللاعبين ككائنات بيولوجية تحركها دواع غريزية وسيكولوجية، وهذا يصعب معرفته دونما دراسة جادة لشخصية مثل بوتين ومحركاتها البيولوجية والسيكولوجية والتفاعل فيما بينها. فالعلاقات الدولية كما علّمنا روبرت جيرفيز هي مزيج من انطباعات القادة عن طبيعة الأزمة ومجموعة من إساءة قراءة ما يجري. إذن القائد وإدراكه أمران مهمان في فهم العلاقات الدولية. ولكننا في العلوم السياسية لا نعرف كيف نقرأ النوايا وما تضمره، وهنا يكون علم السياسة فناً أكثر من كونه علماً.
الذي شجعني على كتابة مقال اليوم عن مستقبل الحرب في أوكرانيا، هو مقال الصديق الدكتور عبد المنعم سعيد على صفحات هذه الجريدة الأسبوع الفائت، بعنوان «بين الحماقة والحكمة» الذي أخذ الحوار إلى مستوى أكاديمي رفيع بعيداً عن كتابة الهواة التي في معظمها ردود فعل صحافية على آخر مجريات الحرب وينقصها التدريب العلمي. ملخص ما طرحه الدكتور سعيد قادم من عالم أستاذنا كينيث والتز وكتابه الكلاسيكي «الإنسان والدولة والحرب (Man, the state, and war)» الذي يمثل إنجيل المدرسة الواقعية في فهم العلاقات الدولية.
ولكي نفهم أين نحن في النزاع الأميركي – الروسي، أو الغربي - الروسي الذي تمثل أوكرانيا مركزيته، لا بد أن نعود إلى البداية في التسعينات من القرن الماضي في عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون عندما قررت الولايات المتحدة توسيع نطاق حلف الناتو، مما خلق ما تعرفه المدرسة الواقعية بالمعضلة أو الورطة الأمنية (security dilemma)، مما دفع روسيا إلى التدخل في جورجيا عام 2008، وكذلك في أوكرانيا مرتين في عام 2014 واحتلال وضم شبه جزيرة القرم التي كانت تابعة لأوكرانيا، ثم الحرب الأخيرة التي بدأت هذا العام والمستمرة معنا ربما لفترة طويلة، والتي تهدف إلى نزع سلاح أوكرانيا أو قضم أراضٍ أكبر تحقق الأمن للدولة الروسية. بدعوة دول مثل جورجيا وأوكرانيا وتشجيعها لدخول حلف الناتو، خلقت الولايات المتحدة هواجس عند روسيا فرضت عليها فكرة الغزو وخلق منطقة عازلة بينها وبين الناتو كضرورة للأمن القومي الروسي. ومع ذلك لم يكن تمدد حلف الناتو وحده الذي يهدف إلى ضم أوكرانيا إلى الغرب عسكرياً، ولكن كانت هناك أيضاً محاولة ضم أوكرانيا اقتصادياً من خلال تمدد الاتحاد الأوروبي (تمدد عسكري: ناتو، وتمدد اقتصادي: الاتحاد الأوروبي)، ومع هذين العاملين: استراتيجية القوة الناعمة من خلال دمقرطة أوكرانيا، وتشجيع الثورة وتغيير النظام فيها... كل هذه العوامل مجتمعة هي التي استنفرت القوة الروسية التي لا تقبل بأن يكون حلف الناتو على حدودها مباشرة.
كانت رؤية ميرشيمار ووالت وكيسنجر وكوهن ترى أن معادلة توازن القوة الحقيقي هي بين الصين من ناحية، وأميركا وحلفائها الغربيين من ناحية أخرى، وفي هذا السياق أي طرف يستطيع استمالة روسيا إليه سيكون الفائز، ولكن أميركا والغرب باستعدائهما لروسيا دفعا بها إلى المدار الصيني، ومن هنا تعكس الحرب في أوكرانيا قصر نظر غربي في مجال فهم طبيعة العلاقات المستقبلية في النظام العالمي.
ومع ذلك، وفي كتابه الأخير عن دور القادة، وقد ركز كيسنجر على ستة منهم (كونراد أديناور، ديغول، نيكسون، أنور السادات، وليكوان يو، ومارغريت ثاتشر)، يرى كسينجر أن للقادة الدور الأهم في قضايا الحرب والسلام وبناء الدولة، فهو نعم يرى النظام العالمي على أنه نظام فوضى تحكمه القوة، كما يرى كل أساتذة المدرسة والواقعية، ولكنه في كتابه الأخير يعظم دور القادة أو اللاعبين بشكل أكبر، ومن هنا تكون الحالة الذهنية لبوتين ومن حوله مهمة.
إن الصراع في أوكرانيا هو حربان في واحدة؛ الحرب الأولى والأهم فيما يخص توازن القوى في النظام الدولي وهي حرب أميركا والصين، والثانية هي حرب الناتو مع روسيا. حرب الصين وأميركا هي إعادة أو ريمونتادا للحرب الكورية في خمسينات القرن الماضي، والتي كانت نزاعاً أميركياً صينياً على أرض كوريا أو في المسرح الباسيفيك. اليوم هي ذات المنافسة، ولكن على أرض أوكرانيا وفي المسرح الأوروبي. كان تصور المدرسة الواقعية هو أن استمالة روسيا في صف الغرب يحسم الصراع مع الصين لصالح الغرب، ولكن والحال أن الغرب حوّل روسيا إلى عدو، فتبقى مسألة من يتسيد النظام الدولي خلال الخمسين سنة المقبلة أمراً مفتوحاً، ولكن الإشارات الأولية تقول إنه سيكون نظاماً تتسيده الصين أو في أحسن الأحوال متعدد القطبية، معتمداً على الناحية التي تنجذب إليها كل من روسيا والهند.
ما هي أدوات الغرب تجاه بوتين؟ الأدوات الغربية محدودة متمثلة في حصار اقتصادي ودعم القوات الأوكرانية، أو إدارة الحرب بالتمني، بمعنى أن يتمنى الغرب انقلاباً على بوتين في روسيا. الحصار الاقتصادي لم يسقط كاسترو حتى يسقط بوتين. أما قدرات أوكرانيا على هزيمة الجيش الروسي فهو أمر يصعب تخيله. فحتى هذه اللحظة أوكرانيا ليست جزءاً من الدمج الاقتصادي (الاتحاد الأوروبي)، وليست جزءاً من الدمج العسكري (ناتو).
الموقف الغربي تجاه أوكرانيا ضعيف مقارنة برغبة روسيا وجموحها. الغرب لا يستطيع اليوم إجبار روسيا على العودة إلى حدودها كما كان الحال في إعادة الوضع إلى سابقه في حالة احتلال صدام للكويت، أو حتى إنهاك روسيا كما كان الحال في أفغانستان. مدرسة احترام السيادة والقانون الدولي في حالة أوكرانيا في أسوأ حالاتها. نهاية المشهد كما يشير سلوك اللاعبين هي القبول بسيطرة بوتين على أجزاء من أوكرانيا، خصوصاً الروسي ثقافة منها، وتحييد أوكرانيا عسكرياً مع قبول روسيا بإدماج أوكرانيا اقتصادياً مع الاتحاد الأوروبي. محصلة كل هذا هو انتصار لاستراتيجية بوتين على الاستراتيجية الغربية ليعود توازن القوى في نظام دولي إلى ما قبل الحرب مع ميل لصالح التحالف الروسي - الصيني على حساب الغرب. الحرب الأوكرانية ليست مشكلة طاقة وغذاء، بل هي مشكلة تحدد طبيعة النظام الدولي المقبل... وللحديث صلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يكسب بوتين الحرب هل يكسب بوتين الحرب



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:14 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
  مصر اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon