توقيت القاهرة المحلي 22:56:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المأزق العربي والخروج من براثن السلطوية

  مصر اليوم -

المأزق العربي والخروج من براثن السلطوية

بقلم - مأمون فندي

في الدورة الأربعين لمنتدى أصيلة بالمغرب ناقشت نخبة من المفكرين العرب موضوع الاستبداد في العالم العربي، وكيفية الخروج من مأزق السلطوية إلى انفراجة ولو شبه ديمقراطية. وكانت ولا تزال ملاحظتان منهجيتان على أي حوار عربي حول السياسة والمجتمع.

الملاحظة الأولى تخص غياب المعلومات الأولية التي تجعل قراءة المجتمع والدولة ممكنة. في الغرب مثلاً تُفرج الدولة عن وثائقها كل عشرين سنة لتجعلها متاحة للباحثين للقيام بقراءة أكاديمية جادة لما جرى. وهذا غير متاح في العالم العربي. فقد مرت خمسون عاماً على هزيمة 1967 ولم تفرج أي دولة عربية عن وثائقها لنعرف طبيعة النقاش حول ما جرى، وكيفية اتخاذ القرار. في المقابل أفرجت إسرائيل عن وثائقها أكثر من مرة. ومن هنا يمكن القول: إننا نعرف عن المناقشات الإسرائيلية التي دارت في تلك الفترة أكثر مما نعرف عن النقاشات العربية.

المعلومات المجردة وتحليلها هي التي تساعد المجتمعات على التطور أو الانتقال من حال إلى حال.

أتذكر في ثمانينات القرن الماضي عندما كنت متابعاً نهماً للجنة استماع الكونغرس الأميركي حول ما عُرف أيامها بفضيحة «إيران – كونترا» والتي كانت تدور حول البيع غير القانوني للسلاح لإيران عن طريق إسرائيل، واستخدام الأموال الناتجة عن هذا البيع لدعم حركة الكونتر المتمردة على حكم حزب السنداتيستا اليساري في نيكاراغوا. القصة طويلة،

ولكن المهم فيها لسياقنا كانت شهادة روبرت غيتس الذي كان نائباً لوكالة المخابرات تحت وليم كيسي. قال يومها غيتس إن الرئيس رونالد ريغان كان يتلقى معلومات «ملونة أو مسيّسة» أو معلومات ملوثة وليست مجردة وهذا ما جعله يتخذ قرارات خاطئة. ومن يومها وهذه الجملة ترنّ في رأسي وتشكّل فهمي لكثير من الأمور. الأساس في فهم أي شيء هي المعلومات والحقائق المجردة لا الملونة أو الملوثة.

في عالمنا العربي كثير من الآراء وقليل من المعلومات، حتى ما كتبه بعض من شاركوا في صناعة القرار من مذكرات شخصية كان منمقاً والمعلومات فيه إما ملوّنة وإما مسيّسة، فكيف لنا أن نحلل تلك المعلومات لنصل إلى تشخيص أو نتائج؟

الملاحظة الثانية تخص النشر في العالم العربي. ففي الغرب حتى الصحف السيارة تخضع لمعايير صارمة لما يُنشر على العامة. أما نشر الكتب فلكل دار نشر لجنة تحكيم داخلية ومحكِّم خارجي يقرِّظ الكتاب قبل النشر بناءً على معايير صارمة للتمييز بين ما هو معلومة أو رأي أو تخمين. أما عندنا فلا معايير هناك. إذ يمكن للشخص أن ينشر آراءه سواء كانت سديدة أو غير ذلك على نفقته الخاصة، وللأسف يوضع هذا النوع من الكتب في المكتبات لتقرأه الأجيال كأنه معلومات.

إذن كيف لنا أن نتحدث عن استبداد أو عن تحول ديمقراطي لا نعرف عنه شيئاً إلا بالتخمين وضرب الودع وقراءة الفنجان؟ إذا ما قارنّا بين الخروج من مأزق السلطوية بين إسبانيا ومصر، وبين الجنرال فرانكو الذي حكم لمدة ستة وثلاثين عاماً وبين الجنرال مبارك الذي حكم لما يقرب من ثلاثين عاماً إلا أياماً، نجد أننا نعرف الكثير عن حكم فرانكو، والقليل عن حكم مبارك من حيث المعلومات المجردة. ولذلك كان لدى الإسبان المادة التي يحللونها ويفهمون أخطاءهم لينتقلوا إلى الديمقراطية، بينما لا يعرف المصريون إلا النَّذر اليسير عن حكم بلادهم. الإسبان يقولون إنهم لا يعرفون عندما لا تكون لديهم الوثائق، بينما يدّعي المصريون المعرفة من خلال التخمين وحكاوي القهاوي. فكيف لمن لا يعرف أسباب العلة أن يتحدث عن العلاج؟ وكيف لمن ليس لديه معلومات مؤكدة عما حدث خلال ثلاثين عاماً أن يتحدث عن الانتقال إلى نظام جديد أو عن انفراجة؟ الحديث عن الانتقال من السلطوية إلى الديمقراطية يحتاج إلى دراسات مقارنة بين تجمعات إنسانية متباينة، فنحن لسنا وحدنا في هذا الكون، كما أننا لسنا الاستثناء البشري، إذ يجري علينا ما يجري على البشر كافة.

يدّعي كثير من العرب أن أسباب تخلفهم عن بقية الأمم هو آفات مثل الاستعمار والاستبداد والعسكر. ولكن إذا ما نظرنا إلى دول انتقلت إلى الديمقراطية في بقية العالم نجد أنها قد عانت من تلك الآفات أضعاف ما عانى منه العالم العربي.

بالنسبة إلى الاستعمار مثلاً، فمقارنةً بالهند ومدة الاستعمار يمكننا القول بأن التاريخ كان كريماً مع العرب، أما أفريقيا التي سيق أهلُها في الأغلال إلى العالم الجديد كعبيد، فلا مقارنة بينها وبين العرب. إذ لم يُستعبد العرب تاريخياً ولم يمروا بمحنة الأفارقة، ومع ذلك انتقل الأفارقة إلى الديمقراطية ولم ينتقل العرب.

أما عند مقارنة عسكرنا بعسكر أميركا اللاتينية وأفريقيا نجدهم أقل دموية من عسكر أفريقيا وأميركا اللاتينية، ومع ذلك انتقلت البرازيل وتشيلي وغانا ونيجيريا إلى حالة شبه ديمقراطية.

إذن ما أسباب الأزمة: هل هي الثقافة العربية بتنويعاتها المحلية أم أنظمة إدارة التنوع في المجتمعات أم ماذا؟ الأسئلة كثيرة، ولكن في غياب المعلومات يبقى أكثر التحليل مجرد تخمين.

ومع ذلك لا بد من تحية لمنتدى أصيلة على استمراره لأربعين عاماً يناقش تلك القضايا الشائكة.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المأزق العربي والخروج من براثن السلطوية المأزق العربي والخروج من براثن السلطوية



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 18:02 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
  مصر اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم الدشاش

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 06:04 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 31 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 14:18 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

من أي معدن سُكب هذا الدحدوح!

GMT 21:19 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تربح 7.4 مليارات جنيه ومؤشرها الرئيس يقفز 1.26%

GMT 21:48 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon