توقيت القاهرة المحلي 02:08:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تجديد الخطاب الوطني

  مصر اليوم -

تجديد الخطاب الوطني

بقلم - مأمون فندي

جرى حديث كثير عن فكرة تجديد الخطاب الديني، ولكني أطرح في هذا المقال فكرة أراها أهم من فكرة تجديد الخطاب الديني، وهي فكرة تجديد الخطاب الوطني، وذلك لأن الخطاب الديني عابر للحدود ولا يمكن ضبط إيقاعه نتيجة لتعدد الثقافات وكذلك السلطات والدول ذات السيادة، أما الخطاب الوطني فهو أمر مقدور عليه وفي سياق محكوم ووظيفي، أي أنه يؤدي وظيفة محددة داخل الدولة الوطنية الواحدة.
هذا المقال امتداد لمقالين سابقين؛ الأول منهما كان يناقش فكرة «الخطاب الأقل من وطني قليلاً»، والذي دعوت فيه إلى حوار ما تحت وطني، أي داخل الأقاليم والمحافظات، ما يكسب من سيتحاورون مع السلطة فيما بعد شرعية التمثيل، يكونون منتخبين من الشعب لا منتخبين من السلطة التنفيذية أو الحكومة ومؤسساتها الأمنية، فمشكلة الحوار الوطني هي المتشككون في الداخل والخارج، ولكي يكون الحوار جاداً لا بد أن يتجاوز التشكيك من خلال إنتاج شرعية لهذا الحوار من خلال ما سميته «حوار ما قبل الحوار». أما المقال الثاني فهو مقال عن ثقافة الإلغاء. فثقافة الإلغاء التي تحدثت عنها داخل المجتمع الأميركي هي ذاتها ثقافة التكفير على مستوى الخطاب الديني، ولكن بمفردات مغايرة وترميز مغاير. ثقافة الإلغاء والتكفير عندنا هي أن يدعي مواطن أو جماعة من المواطنين أنهم من يملكون التوكيل الحصري للوطنية يمنحونها لمن يشاءون وينزعونها عمن يشاءون؛ أي أن الوطن وفكرة المواطنة مقصورة عليهم ومن لا يوافقهم الرأي فهو بالضرورة أقل وطنية. فكيف يستقيم أننا نعيش في وطن واحد أساسه فكرة الأرض والحكومة والشعب المتساوي حقوقاً وواجبات، ويظهر لنا من هو أعلى مرتبة منا في الوطنية أو «مواطن متميز» أو «مواطن سوبر» أو «مواطن بشرطة» ويتفوق على الآخرين أي كما قال جورج أورويل في روايته «مزرعة الحيوانات»: «كل الحيوانات متساوية وبعض الحيوانات أكثر مساواة».
تجديد الخطاب الوطني يبدأ من فكرة ألا يكون هناك فرد أو مجموعة من الأفراد أكثر تفوقاً في الوطنية (على غرار التفوق العرقي في الأنظمة العنصرية) من غيرهم من المواطنين. تجديد الخطاب الوطني يعني إرساء دعائم المساواة في المواطنة.
يظن المواطن المتحمس لمن يحكم عندما يصبح مواطناً سوبر يمنع ويمنح في صكوك الوطنية والخيانة أنه يخدم نظام الدولة، ولكن الحقيقة أن هذا المواطن السوبر هو أول من يدق مسماراً في نعش الدولة كلها، عطن كذلك الذي يصيب تفاحة في قفص وما هي إلا أيام حتى يصاب كل التفاح بالعطن. وبما أن المواطن المتحمس والمتفوق هو عطن أو فيروس معدٍ يصيب النظام السياسي في مقتل من دون أن يدري، هنا يجب على الحاكم الذي يريد لنظام حكمه الاستمرار والاستقرار ألا يحتضن العطن الذي يبدو مفيداً مؤقتاً، ويركز أكثر على فكرة المساواة في المواطنة. هناك مثل أميركي يقول: «مع أصدقاء كهؤلاء (أي على درجة عالية من الغباء)، من يحتاج إلى أعداء!»، وبالعربية نقول عدو عاقل خير من صديق جاهل.
لا أعني بالمواطن السوبر فقط من يوزع صكوك الوطنية ويخلع على الناس ثوب الخيانة، كما كان حال صكوك الغفران الديني في العصور الوسطى، ولكنني أعني أيضاً من يخلع على الناس ثياب الثورة والتمرد، فكل هذه الممارسات هي من تجليات المجتمعات المتخلفة: المواطن ذو النقاء الوطني مثل النازي الذي يدعي النقاء العرقي، مثل من يدعي النقاء الديني، وكذلك من يدعي النقاء الثوري. الأوطان يصنعها أناس عاديون يخطئون ويخفقون ويصيبون، لا عصمة لأحد.
إن مرض النقاء، الديني والوطني والثوري، هو عَرَض لمرض أشد، وهو واحد من تجليات ومظاهر المجتمع المتخلف.
ولكي يكتسب الحوار الوطني شرعية فلا بد من تهيئة المناخ بانحياز الدولة وأجهزتها وبوضوح ضد ثقافتي التكفير والإلغاء، وتهيئة التربة الوطنية لعمل شديد الأهمية وهو تجديد الخطاب الوطني ليتجاوز بدائية الخطاب السائد الذي لا هو بالوطني ولا حتى بالديني. فالوطن شراكة بين المواطنين كما المساهمين في شركة لكل سهم واحد وبذات القيمة لا فضل لأحد على أحد إلا بالمواطنة.
الحوار الوطني أيضاً يحتاج إلى حرية تسمح لنا باختبار شرعية من يتصدون للحوار، أي هل هذه الوجوه تمثل أحداً، أم أنها أصوات في البرية يتم إخراجها بين حين وآخر بدواعي الديكور السياسي المطلوب، والديكور لا يلقى شرعية لا في الداخل وبالتأكيد لا في الخارج.
تجديد الخطاب الوطني يخلصنا من فكرة الديكور السياسي والخطاب المسرحي. لدينا أناس اليوم فاقدون للمصداقية لأنهم امتهنوا مهنة الديكور السياسي. المطلوب ليس المواطن الديكور أو المواطن الممثل الذي يقف على خشبة المسرح منذ أن يستيقظ من النوم حتى يهجع إلى فراشه ليلاً مؤدياً دور المواطن الصالح طوال هذا الوقت. تجديد الخطاب الوطني يساعدنا على إنتاج مواطن صالح حقيقي وليس ممثلاً لدور المواطن.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تجديد الخطاب الوطني تجديد الخطاب الوطني



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:14 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
  مصر اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك
  مصر اليوم - الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 14:07 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"يوتيوب" يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي
  مصر اليوم - يوتيوب يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا

GMT 09:43 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كباب بالزعفران
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon