توقيت القاهرة المحلي 20:29:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عجز في ميزانية البهجة

  مصر اليوم -

عجز في ميزانية البهجة

مأمون فندي
بقلم:مأمون فندي

كأس العالم في قطر كشفت أن العالم العربي يعاني عجزاً في ميزانية البهجة، وأن مزيداً من هذه الأحداث الكبرى المنتجة لفائض البهجة، أمر ضروري لشعوب منطقتنا.

غانم مفتاح، الشاب القطري الذي ظهر في افتتاح المونديال، منح الكثير من الأمل والبهجة لنا جميعاً، جماهير المملكة العربية السعودية بعد الفوز على الأرجنتين وفريقهم المتميز رسما ابتسامة على كل شفاه العرب، خصوصاً أهل المملكة، وما أحوجنا لهذه الابتسامة العفوية النابعة من القلب، لا من الشفاه فقط، وشتان بين الابتسامتين. أهازيج مشجعي منتخبات تونس والمغرب أيضاً تشير إلى رغبة ملحة في إنتاج البهجة، فهي تعيد إنتاج وطنيتها محلياً من غناء الحواري وأطراف المدن من أجل بهجة منتجة من القاع، لا مجرد إسقاط سطحي من أعلى. الرغبة في إنتاج بهجة حقيقية تخرج من القلوب وتترجمها ابتسامات الشفاه، توحي برغبة عارمة من أجل زراعة حبوب البهجة الحقيقية التي تروى من ماء محلي نابع من عصير القلوب، نباتات حقيقة، لا بلاستيكية كاذبة. رغبة دفينة في تغطية عجز البهجة.
من يتأمل الوجوه العربية في المونديال في الدوحة يري شيئاً جديداً، فبدلاً من ابتسامة زائفة كانت ترسم على الشفاه، نرى الابتسامة تخرج في وقت متزامن من العيون والشفاه في الوقت ذاته. مشهد صادق يكشف لنا الفرق بين الحقيقة والزيف، وبين السراب والماء.
أحسنت بعض الدول العربية، أولها الإمارات، في تعيين وزير للسعادة، وكذلك الترفيه في المملكة العربية السعودية، وذلك لأن شعوب منطقتنا بالفعل لديها عجز كبير في ميزانية الفرح والبهجة.
شعوب منطقتنا تحتاج إلى أنسنة خارج سياق السياسة الحزين دوماً. العرب يريدون التعرف على وجوههم، وجاء مونديال الدوحة ليرينا وجوه الشباب والشابات، بضة ومبتسمة، وبدل عرق الوجوه رأينا على محياها ندى البهجة، كذلك الذي تراه على الورود بعد الفجر.
وما أحوجنا إلى تلك الوجوه الحقيقة، لا وجوه المساحيق التي يمثلها المؤثرون والمؤثرات على «سناب شات» و«إنستغرام»، تلك المظاهر المنمقة الكاذبة. المونديال أرانا وجوهاً حقيقية تستحق أن نرنو إليها ونتأمل ابتساماتها.
حكاية التعرف على وجوه العرب الحقيقة خارج عالم السياسة والزيف هي أمر يحتاج إلى مزيد من التأمل وكثير من المقالات، وربما الكتب التي تبحث في مكامن الحزن والبؤس فينا، وكيف يمكن إعادة تدوير الحزن ليصبح بهجة كالهيدروجين الأخضر، بهجة غير ملوثة بالمساحيق ومؤثرات الكذب.
إذا كانت بعض دولنا غير قادرة على إنتاج التراضي من خلال السياسة والاقتصاد، فهناك طرق أخرى لإرضاء الشعوب، لن أقول ما كان يقوله الرومان بمنح الناس الخبز والسيرك أو الألعاب، كسياسة إلهاء، وما كان يقوله الإسبان عندما تتأزم عندهم السياسة، بمنح الشعب خبزاً ومزيداً من مصارعة الثيران، بل أقول ابحثوا عن كل الطرق المؤدية إلى البهجة. وجوه العرب في المونديال غير ما كانت عليه من قبل، وأتمنى أن تستمر البهجة.
كنت دوماً عندما أسير في شوارع لندن أو باريس أو نيويورك أستطيع أن أميز العرب من خطاهم وظهورهم من الخلف، أو من خلال وجوههم من الأمام. إذا مشيت خلف الأجساد العربية في هذه المدن لا تفوتك انحناءة الجسد الذي يعبر عن أرواح مكسورة، كذلك الوجوه التي طارت من على سطحها البهجة كما يفر الحمام من البرج، وجوهنا أبراج هجرها حمام الفرح. نغرد في «تويتر» ولا نغرد في الحياة.
مهمة دولنا الآن، كما قال عبد الرحمن الأبنودي، في سياق آخر ذات مرة، «أن تزرع ضل وتستمتع بأن ترى الضل التي زرعته مرمي على وشوش الناس في عز الحر».
لو استطاعت أن تفعل ذلك على الأقل، تستطيع دولنا سد عجز ميزانية البهجة.
يقال إن قطر صرفت أكثر من مائتي مليون دولار لكي تصنع لنا كل هذه البهجة، أعتقد أنها أموال أنفقت في مكانها الصحيح، فعجز البهجة عندنا يحتاج أكثر من ذلك. وإذا كنت تعيش في الغرب ستسمع كل يوم عبارة «الإنسان يعيش على هذه الدنيا مرة واحدة». وبالفعل هي كذلك فلنساعد الناس على رسم البهجة على الوجوه، وإن فعلنا فهذا إنجاز لو تعلمون عظيم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عجز في ميزانية البهجة عجز في ميزانية البهجة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:59 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند
  مصر اليوم - تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

أنجلينا جولي تكشف عن شعورها تجاه عملها بعد رحيل والدتها

GMT 15:48 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ليونيل ميسي يختار نجمه المفضل لجائزة الكرة الذهبية 2024

GMT 13:55 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

اتفاق رباعي علي خارطة طريق لإيصال الغاز إلي بيروت

GMT 06:11 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الشكشوكة التونسية

GMT 19:44 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل العثور على "سوبرمان هوليوود" ميتاً في صندوق

GMT 04:38 2019 الثلاثاء ,09 تموز / يوليو

تعرفي على 9 موديلات مميزة لتزيّني بها كاحلكِ

GMT 22:22 2019 الأربعاء ,27 شباط / فبراير

مستوى رمضان صبحي يثير غضب لاسارتي في الأهلي

GMT 04:46 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

إليكِ أفكار سهلة التطبيق خاصة بديكورات المطابخ الحديثة

GMT 02:17 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

مناظر خلابة ورحلة استثنائية في جزر فينيسيا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon