توقيت القاهرة المحلي 18:44:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حل الدولتين: بين الدعاية والجدية

  مصر اليوم -

حل الدولتين بين الدعاية والجدية

بقلم - مأمون فندي

ما الذي يجب أن يعرفه وزير الخارجية الأميركي توني بلينكن من الجانب العربي غير رؤية توماس فريدمان التي طرحها في مقاله في «نيويورك تايمز»، الأسبوع الماضي، التي أصنّفها هنا في إطار الدعاية لا الجديَّة، رغم ما يربطني بفريدمان من صداقة. يتلخَّص موضوع حل الدولتين في ثلاثة سيناريوهات محددة: السيناريو الأول إذا كنا جادين في البحث عن حل حقيقي ومعه استقرار إقليمي. أمَّا السيناريو الثاني فهو سيناريو الدعاية أو البحث عن يافطة تقول إنَّنا وصلنا للحل، أي حل. أما السيناريو الثالث فهو أقدم من قيام دولة إسرائيل نفسها أو الذي أنتج دولة إسرائيل في عهد الإمبراطورية البريطانية وهو ما يعرف بـ«تفكيك المستعمرات» (في الحالة الفلسطينية تفكيك المستوطنات وتفكيك الاحتلال) وهو ما يعرف بالإنجليزية بـ«decolonisation process»، وهذا له تجارب متعددة من الانسحاب من الهند، إلى الانسحاب من السويس وما بينهما، وهو سيناريو يدعم السيناريو الأول.

أولاً موضوع حل الدولتين ليس ابتكاراً جديداً، وإذا أرادت الدبلوماسية العربية أن تتحدَّث مع بلينكن أو مع الإسرائيليين حول الحل فهناك مرجعيات قديمة معروفة أساسها القانون الدولي واتفاقات إطارية مثل اتفاق جنيف أو محادثات طابا، وما عُرف على أنَّه «ورقة موراتينوس»، وهي الورقة الأوروبية التي أعدها الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لعملية سلام الشرق الأوسط، السفير موراتينوس، وفريقه بعد مشاورات مع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني الموجودين في طابا في يناير (كانون الثاني) 2001.

وهي ورقة تمثل وصفاً منصفاً لحصيلة المفاوضات بشأن قضايا الأرض، والمقدسات والمستوطنات، وترابط الدولتين الجغرافي بشكل يجعل الدولة الفلسطينية قابلة للحياة. هذا مقال ليس عن ورقة موراتينوس التي يعرفها الدبلوماسيون جيداً، ولكنَّه عن مجموعة السيناريوهات الجادة لحل الدولتين.

الفكرة هنا هي أنَّ البداية من حيث انتهى الآخرون، لأنَّ من قاموا على هذا العمل كانوا دبلوماسيين محترفين، فنفض الغبار عن نتائج المفاوضات القديمة والجادة يتطلب منَّا عملاً شاقاً؛ دبلوماسياً وأمنياً وقانونياً وسياسياً. وهذا يجعلنا ننغمس في أوراق عمرها أكثر من عشرين عاماً تتحدَّث عن القضايا الجوهرية للصراع، وأُولاها القدس، وعودة اللاجئين، وإنهاء المستوطنات الإسرائيلية على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967.

هذا السيناريو لا يتطلَّب جلسة واحدة مع وزير الخارجية الأميركي، بل يتطلَّب منَّا فرق عمل متخصصة، ترتَّب هذه الأوراق في سياقاتها الأمنية والسياسية والثقافية والقانونية، ولدينا كثير من المتخصصين في هذه المجالات، التي يتحتم علينا انتقاؤهم حسب معايير صارمة حتى لا تنفلت الأمور عن السيناريو، ويتحوَّل الموضوع برمته إلى دعاية وإعلانات؛ من أجل التغطية على عجز إقليمي أظهرته حرب الإبادة الجماعية في غزة.

أنا مدرك تماماً أن جماعة الدعاية والإعلان لا يروق لها أن نشمر عن سواعدنا ونغرق لفترة طويلة لدراسة ما سبق والبناء عليه، فهذا أمر مرهق لهذه العقول الباحثة عن اللقطة والصورة و«الهاند شيك». ولكن هذا ما يمليه عليَّ ضميري بوصفه رسالةً إلى مَن يهمه الأمر.

السيناريو الثاني، كما ذكرت، هو سيناريو فريدمان وما سمّاه عقيدة بايدن أو «Biden doctrine»، وهو محاولة للوصول إلى اتفاق قبل نهاية إدارة بايدن الأولى أو نهاية مدته، حسب ما تأتي به نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية القريبة. جوهر هذه العقيدة هو الوصول إلى اتفاق على أنَّ ثمن الدولة الفلسطينية هو التطبيع مع إسرائيل مع بعض حديث عن الـ«de escalation» أو تخفيف التوتر الإقليمي مع إيران، وهو أمر فعلته المملكة دونما حاجة لوساطة أميركية أو دور أميركي فيها. صفقة بايدن هي التطبيع مقابل الدولة الفلسطينية، على غرار المفهوم السابق «النفط مقابل الغذاء».

المشكلة في هذا الطرح هي سذاجته فيما يخص تاريخ الدبلوماسية السعودية وتعاطيها مع الملفات الإقليمية الجادة، وأولها القضية الفلسطينية، ويتناسى فريدمان وجماعة الدعاية أنَّ الدولة السعودية ليست مجرد ذاكرة مؤسسات الدولة التاريخية، وآخرها فترة تولي الأمير سعود الفيصل رحمه الله وزارة الخارجية وإدارة الملفات باحتراف كبير، بل أيضاً نحن أمام قيادة سعودية جديدة وجادة وترى في نفسها نداً، ولديها إحساس وفهم لقدرات الدولة ومتطلباتها، وهي ليست قيادة تنطلي عليها أساليب الدعاية.

حتى لا ينزلق الحوار مع الوزير الأميركي إلى عالم الدعاية، لا بد أن نذكّر المسؤول الأميركي بثلاثة أمور؛ أولهما أنَّ حل الدولتين ليس من بنات أفكار الرئيس بايدن، بل هناك تاريخ طويل في أحاديث مفصلة عن طبيعة هذه الدولة، وعن السيادة، وعن شرعيتها وقدرتها على الدفاع عن نفسها، وعن اللاجئين وعودتهم إلى ديارهم، وتعويض مَن لا يريد العودة. هذا هو الأمر الأول. أما الأمر الثاني فهو أنَّ إسرائيل ليست أول دولة احتلت أراضي الغير وتركتها لأهلها، فتاريخ فك المستعمرات الذي أصبح مكلفاً لإمبراطوريات أكبر من إسرائيل مئات المرات؛ نتيجة لحركات التحرر التي سادت دول المستعمرات في الأربعينات والخمسينات حتى ستينات القرن الماضي، يمكن استخدام نماذج منه لطريقة تفكيك المستوطنات الإسرائيلية. أما الأمر الثالث فهو واقع الحرب في غزة، إذ لا يمكن أن تدعي إسرائيل، بأي شكل من الأشكال، أنها انتصرت في هذه الحرب، فالتطبيع مع إسرائيل الوهم قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) له ثمن مختلف عن التطبيع مع إسرائيل الواقع بعد السابع من أكتوبر.

ومن هنا نبدأ الحديث الجاد.

مدرك أنا لأحاديث بعض الخارجيات العربية وأولوياتها فيما يخص إصلاح السلطة الفلسطينية وتحسين الأوضاع في غزة كيفاً وكماً. ومدرك أيضاً لمطالب «ضرورة قيام حكومة جديدة غير حزبية أو فصائلية وذات مهنية مع صلاحيات كاملة ودون تدخلات من الضفة»، وذلك لإنعاش الضفة والاستفادة بعدها لوضع مزيد من الضغط لوقف إطلاق النار في غزة، ودعم موقف المملكة العربية السعودية للوصول لحل الدولتين، الذي أتصور أن المملكة قادرة على فرض قيام الدولة الفلسطينية على المجتمع الدولي وعلى إسرائيل في الوقت ذاته.

المهم في نهاية هذا المقال، أقول إنَّ هذه رؤيتي الشخصية وإنَّها رسالة إلى مَن يهمه الأمر من أجل إنقاذ شعب عانى طويلاً تحت الاحتلال وتحت القصف، ومن أجل استقرار إقليمي شامل. هذا ما علينا أن نتأمله نحن العرب. أما الوزير بلينكن فعليه التخلي عن دعاية فريدمان وعقيدة بايدن، وأن يستبدل بهما مفهوماً جديداً للأمن الإقليمي يأخذ في الاعتبار الأمن القومي العربي ومتطلبات أمن المملكة، وبعدها نتحدث عن أمن إسرائيل ضمن هذا المفهوم الجديد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حل الدولتين بين الدعاية والجدية حل الدولتين بين الدعاية والجدية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 18:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر وإيران تبحثان تطورات الأوضاع في لبنان وغزة
  مصر اليوم - مصر وإيران تبحثان تطورات الأوضاع في لبنان وغزة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon