توقيت القاهرة المحلي 19:43:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ما الصحافة في عصر الكذب؟

  مصر اليوم -

ما الصحافة في عصر الكذب

بقلم: مأمون فندي

دونالد ترمب عرَّف عالمنا بأنه «عالم الأخبار الكاذبة» (fake news)، منذ عقود كتب الفيلسوف الفرنسي جين بودريارد كتابه عن عالم الصور الزائفة (Simulacra and Simulation)، الذي يبدو فيه الكذب أكثر جاذبية ولمعاناً وإقناعاً من الحقيقة.

والسؤال هنا، وفي عالم الإنترنت، الذي يشبه إلى حد كبير محيطات من المعلومات أكثرها كذب بالصوت والصورة والنص، ماذا يجب أن يكون دور الصحافي والصحيفة؟ هل ينجرف الصحافي إلى زيادة عدد متابعيه في أدوات التواصل الاجتماعي من «فيسبوك» و«تويتر» وغيرهما من الوسائل، وبذلك يصبح جزءاً من عالم الزيف والكذب؟ أم يستخدم عقله ليصبح حكماً، ويساعد القارئ في فرز الحقيقة من الغش، والكذب من الصدق؟ وهل تصبح مصداقية الصحافي وتاريخه وتاريخ الصحيفة التي يعمل بها جزءاً من بناء الثقة؟

من متابعتي لما يكتب في وسائل التواصل، بعديد من اللغات، ألحظ أن هناك عملية تبدو ممنهجة لتزييف الوعي في المجتمعات، ليستبدل ما هو كذب بما هو حقيقة، وكيف يبدو الكذب أكثر مقبوليةً وتصديقاً من الحقيقة، تلك هي أسئلة مجتمعاتنا.

للأسف دراسات الكذب محدودة في علمي الاجتماع والإنسانيات (الإنثروبولوجي)، رغم وجود بعض الدراسات الخاصة بسوسيولوجيا أو علم اجتماع السرية والكتمان، ولم يدرس الموضوع في حالة العالم العربي إلا في دراسة يتيمة لأستاذ الإنثروبولوجيا في جامعة أكسفورد، مايكل جلسنان، حول الكذب في لبنان.

ويجب أن أعترف أولاً بأن الصدق والكذب، رغم أنهما قيمتان اجتماعيتان، فإن عملية إنتاجهما تختلف من مجتمع إلى آخر، فمؤسسات إنتاج الكذب، على سبيل المثال، في مصر تختلف عنها في اليابان أو ألمانيا أو أميركا، كما أن كذب القرية يختلف عن كذب المدينة، ذلك لأن المكان له دور أساسي في رسم ملامح الكذب، وقدرته على المرور، كما لو كان عبارات صادقة. فالقرية هي مكان محدود يعرف الناس فيها بعضهم بعضاً بطريقة حميمية، ويعرفون التاريخ العائلي لبعضهم بعضاً منذ النشأة، أي أن الكذب في القرية على الأغلب يكون كذباً في الفروع، وليس الأصول، في الهامشي وليس في المتن. الكذب في القرية الكونية من خلال أدوات التواصل الاجتماعي كذب في المتن وفي الأصول.

وظيفة الصحافة الجادة اليوم هي فرز الصدق من الكذب، الزيف من الحقيقة، الخبر الصادق من المزور.

للأسف في عالمنا العربي هناك الكثير من الصحف والقنوات التلفزيونية التي تستقي أخبارها من بحر الزيف المعروف بوسائل التواصل الاجتماعي، مع أن المفروض أن تكون الصحيفة والقناة التلفزيونية حكماً يفرز الكذب من الحقيقة.

لا شك أن هناك قنوات مثل «بي بي سي» مثلاً لديها ما يعرف بفريق التحقق من المصداقية (verifying team)، لفرز الصادق من الكاذب في الأخبار.

وبينما يجد الإعلام الغربي نفسه في ورطة فرز الصدق من الكذب في محيط المعلومات المختلطة، ويحاول الصحافي أن يكون أداة مصداقية، نجد الصحافي عندنا، وكذلك المؤسسة الصحافية، يبحثان عن الشهرة في زيادة عدد المتابعين في «تويتر» أو «فيسبوك». الصحافي عندنا ينخرط في عالم الزيف بدلاً من مقاومة إغراءاته. المفروض أن الصحافي الجاد ينظر إلى نجوم التواصل بتعالٍ، لأن معلوماتهم في أفضل الأحوال مخلوطة، إن لم تكن كاذبة. الصحيفة الجيدة هي التي ترفض الصحافي نجم التواصل، لأنه غارق في عالم الزيف، أما الصحيفة فيجب أن تكون مرجعية المصداقية، عندما يختلط الأمر لدى المواطن يعود إلى الصحيفة للتأكد من صدق المعلومة. ولكن حتى هذه اللحظة لم تخصص صحفنا على كثرتها وحدات للتحقق من صحة المعلومة، صحفنا لديها أقسام تدقيق لضبط قواعد اللغة، ولكن ليس لديها أقسام لتدقيق المعلومة، وهذا هو تحدي الصحافة في عالم الكذب. لا بد لنا أن نبحث اليوم في سؤال: ما الصحافة، وما الصحافي، في عصر يتسيد فيه الزيف، ويتفوق فيه الكذب على الحقيقة. تحدي الصحافة ليس منافسة الصحافة الإلكترونية للصحافة الورقية، بل تحديها الأول هو فرز الصدق من الكذب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما الصحافة في عصر الكذب ما الصحافة في عصر الكذب



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا
  مصر اليوم - بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 10:53 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مدبولي يترأس اجتماع المجموعة الوزارية الاقتصادية

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 01:05 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النيابة العامة تُغلق ملف وفاة أحمد رفعت وتوضح أسباب الحادث

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الزمالك يتأهل لربع نهائي دوري مرتبط السلة علي حساب الزهور
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon