بقلم: مأمون فندي
في هذا المقال، سأتناول حالتين مصاحبتين لهلع فيروس كورونا؛ الأولى إنسانية تخص تعامل البشرية مع الأمراض المعدية، وبزوغ الضوء الذهبي تحت غيمة «كورونا» القاتمة. أما الحالة الثانية، فتخص العلاقات الدولية، وبقاء دور الدولة أساسياً، رغم كل ما كتب خلال العشرين سنة الماضية عن تضاؤل دور الدولة لصالح منظمات المجتمع المدني والمنظمات والشركات غير الحكومية العابرة للحدود.
بداية، يعد فيروس كورونا، كوباء، واحداً من أهم الأمراض المعدية، ومع ذلك تحت غيمة «كورونا» السوداء هناك عدة خطوط ذهبية لا يمكن إغفالها.
عندما ينقطع التواصل بين من يحملون الفيروس والأصحاء ينتهي الفيروس، هذا ملخص تاريخ الأمراض المعدية في أوروبا منذ طاعون «جستينيان»، نسبه إلى الإمبراطور البيزنطي جستينيان، إلى «الكوليرا» و«الموت الأسود» في القرون الوسطى، مروراً بـ«الإنفلونزا الإسبانية» و«إنفلونزا هونغ كونغ» إلى «إنفلونزا الخنازير» و«الإيبولا» حتى «كورونا» اليوم.
في تلك الأزمات البشرية، لا يعتمد الناس كثيراً على الطب، وتستعيض المجتمعات عن ذلك بالوسائل الاجتماعية، كعزل الأفراد والمناطق، وحتى المدن، كحلول بشرية تهدف إلى قطع سلسلة العدوى. كما يعتمد الناس على النظافة العامة لتجنب العدوى، وتلك هي النقطة التي أرى أنها خط الضوء الذهبي تحت غيمة «كورونا» الداكنة.
النظافة العامة والالتزام بالسياسات العامة تمنع انتشار فيروسات أخرى وبكتيريا أخرى تصيب البشر، بشكل يومي، وبأعداد أكبر، ولكنها لا تنشر لأنها لا تساوي هيستيريا «كورونا» في الإعلام. وما تلك بالمرة الأولى التي تعاني منها البشرية من الأمراض المعدية، كالحصبة والجدري والمالاريا والإيدز وغيرها، ولكن الإنسان تغلب على معظمها بالنظافة والالتزام أكثر من اعتماده على العلاج الطبي.
النظافة العامة للأشخاص، وتعقيم الأماكن العامة، يقلل من انتشار الكثير من الأوبئة المعدية في العالم كله، وذلك هو خط الضوء الأول تحت غيمة «كورونا» السوداء.
أما الخط الذهبي الآخر، فهو الاعتماد على العلم والمعرفة بديلاً للشعوذة في مواجهة الأخطار العامة. فلم يعد هناك مكان للاتكالية و«الدروشة» في مواجهة خطر بحجم «كورونا»، باستثناء بالطبع دعوة دونالد ترمب إلى الصلاة من أجل مواجهة الخطر، لكن كان إلى جانبه أفضل أساتذة الصحة العامة أثناء مؤتمره الصحافي، يوم الجمعة الفائت. الصلاة مطلوبة لإضفاء الطمأنينة، ولكن الأساس في الخطاب العام هو الخطاب العلمي، لا الديني، وذلك هو الخط الذهبي الثاني تحت غيمة «كورونا» شديدة السواد.
الخط الذهبي الثالث تحت تلك الغيمة الداكنة، هو عودة التواصل المباشر بين الأهل والأصدقاء الحقيقيين، للتأكد من سلامتهم وسلامة المعلومات المتبادلة في عالم أساسه الثقة، وليس مجرد الاعتماد على معلومات العالم الافتراضي.
ما من شك أن تاريخ الأمراض المعدية التي مرت على البشرية أفاد في تطور علوم الطب وإنتاج الأمصال المختلفة، لمواجهة الأمراض المعدية من الحصبة وأنواع الإنفلونزا المختلفة وغيرها، وفي هذا أيضاً ضوء آخر تحت غيمة الميكروبات المعدية، آخرها «كورونا».
فيما يخص السياسة والعلاقات الدولية، أثبت مرض كورونا أن الدولة هي الأساس في الحفاظ على صحة مواطنيها ضد الأمراض المعدية، فالسياسات العامة تحددها الدولة، لا منظمات المجتمع المدني، أو الشركات عابرة للحدود، أو أدوات التواصل الاجتماعي، الدولة هي مركز العمل العام في مواجهة الأوبئة، كذلك التعاون بين الدول، إذ نرى كيف قدمت الصين مئات الأطنان من أدوات الوقاية لإيطاليا، ومعها أكثر من 30 طبيباً من ذوي الخبرة، في مكافحة الفيروس في مقاطعة ووهان. التعاون الصيني الإيطالي يفتح أبواباً جديدة للصين في القارة الأوروبية، ويخلق تحالفات جديدة بين الصين والاتحاد الأوربي، بينما يؤكد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، باستثناء بريطانيا من منع السفر، أهمية التحالف الأميركي البريطاني، على حساب التحالف الأميركي الأوروبي.
أيضاً برز دور المنظمات الدولية التي تتمتع بالثقة مثل منظمة الصحة العالمية كشريك موثوق، في تحديد مناطق انتشار المرض، وفي هذا إحياء لدور منظمات الأمم المتحدة كان مهملاً في السابق. تفعيل دور الأمم المتحدة له دور إيجابي في تنظيم علاقات دولية أساسها التعاون لا المواجهة.
هناك أيضاً وعي جديد تجاه العنصرية التي صاحبت ذوي الملامح الصينية، وتعامل الناس معهم في بقية أنحاء العالم.
هناك مجموعة أضواء ذهبية تحت غيمة «كورونا» شديدة السواد لا يمكن إغفالها.