بقلم: مأمون فندي
هل أُغلقت أبواب واشنطن أمام إسرائيل وذلك ما دفعها، على غير العادة، إلى جولة دبلوماسية محمومة في أوروبا بخصوص الملف الإيراني، أم أنَّ الأمر أكثر تعقيداً مما يبدو على السطح؟ بشكل لافت تشهد العواصم الأوروبية من باريس إلى لندن إلى برلين أسبوعاً حافلاً بالدبلوماسية الإسرائيلية النشطة وعلى مستوى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، ومعه رئيس إسرائيل رؤفين رفلين، ووفد أمني رفيع المستوى لإجراء محادثات حول ملف إيران النووي وتبعاته على أمن إسرائيل والأمن الإقليمي.
وقد بدأ الإسرائيليون زيارتهم في ألمانيا ثم فرنسا، ولكن اللافت هو أن ما طرحه الإسرائيليون في جولتهم الأوروبية من مواقف تبدو كأنها تراجُع إسرائيلي عن مواقف إسرائيل القديمة حتى قبل وصول إدارة أوباما إلى اتفاق 2015، إذ أبلغ الإسرائيليون نظراءهم الفرنسيين على سبيل المثال بأنهم لا يعارضون التوصل إلى اتفاق جديد حول النووي الإيراني، شريطة أن يحتوى الاتفاق على بنود تصعّب من إمكانية الحصول على القنبلة، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. فلماذا هذا التراجع غير المفهوم، أم أنه لزوم عملية الإقناع (lobbying) التي تقوم بها إسرائيل من أجل الضغط على واشنطن لتبني وجه نظرها؟ هل هذا الضغط السياسي الإسرائيلي يعكس نتيجة الفارق في التقييم (strategic assessment) ما بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي، أم أن إسرائيل ليس لديها ما تقدمه على غرار الملفات التي استحوذت عليها من إيران وأقنعت بها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب للانسحاب من الاتفاق النووي؟ من السذاجة أن نقول إنَّ أبواب واشنطن قد أُوصدت تماماً في وجه إسرائيل، ولكنني أعتقد أن إدارة بايدن أرادت أن توصل رسالة واضحة لإسرائيل بأنها تفهم الشرق الأوسط وملفاته المعقّدة، وليست بحاجة إلى وسيط إقليمي، هذه واحدة. النقطة الثانية تأتي نتيجة الوضع المحرج الذي وضعت الإدارة الأميركية فيه نفسها بإصرارها ومند البداية على العودة إلى اتفاق 2015، ولكنها قد تضيف بعض البنود التي تجعل مسألة دخول إيران النادي النووي صعبة. ومع ذلك كان لافتاً في مقابلة المسؤول الأميركي المخوّل إدارة الملف النووي الإيراني (روبرت مالي) للقسم الفارسي في محطة «بي بي سي» أنه قال: «إنَّ أميركا تريد أن تبدأ المحادثات مع طهران بأي شكل يُرضيها، ولا مانع لدينا أن تكون المحادثات مباشرة أم عبر طرف ثالث». فهل الأوروبيون هم الطرف الثالث وأن ما تقوم به إسرائيل الذي يبدو غير مألوف هو مجرد ضربة استباقية؟ روبرت مالي رغم يهوديته فإنه ليس من المحبَّبين إلى إسرائيل في الملفين الإيراني والفلسطيني، ويحس الإسرائيليون منه مواقفه من القضية الفلسطينية منذ زمن رغم أنَّه ليس مسؤولاً عن هذا الملف. للإسرائيليين شكوك حول شخصية مالي خصوصاً وحول إدارة بايدن عموماً حول مسألة عودة أميركا إلى اتفاق 2015 وتخفيف الضغط على إيران التي تمثل كابوساً للإقليم برمّته.
ربما لا يعني إغلاق أبواب واشنطن أمام الإسرائيليين أكثر من أنَّ واشنطن تعيد النظر في قواعد علاقاتها الاستراتيجية بالإقليم برمّته، وليس أمراً مقصوداً به إسرائيل وحدها، فقواعد اللعبة القديمة قد تغيرت ومطلوب اشتباك دبلوماسي من نوع جديد مع منطقة تتغير فيها التحالفات ربما بشكل مدهش، خصوصاً بعد اتفاقات التطبيع الأخيرة بين إسرائيل والعالم العربي من المغرب حتى الإمارات والبحرين مروراً بالسودان. هذا الاختراق الدبلوماسي الإسرائيلي ينقل إسرائيل وهمومها في أجندة واشنطن من الصفحة الثانية إلى الصفحة الخامسة من أولويات إدارة بايدن.
الذي تابع منّا الاجتماعات الصينية الأميركية في آن كريدج في ولاية آلاسكا، والمواجهة المعلنة بين البلدين، ثم ما قاله الرئيس بايدن ضد الرئيس الروسي بوتين، يتَّضح له أن مسألة الأمن مهمة بالنسبة إلى بايدن داخلياً، وأنه لا يريد صداعاً من الجمهوريين، ولا يريد أن يُتهم بأنه متهاون تجاه قضايا الأمن القومي. والملف الإيراني ليس بعيداً عن هذا، ولكنه لا يريد أن يظهر كأنه خاضع لضغط خارجي في التعامل في هذا الملف.
جولة الإسرائيليين في العواصم الأوروبية كاشفة وتحتاج إلى تحليل مطول، ولكن التحليل القديم الذي يرى أن إسرائيل هي البوابة لواشنطن هو تحليل تجاوزته التحديات الدولية والإقليمية بهذا الترتيب.