توقيت القاهرة المحلي 22:53:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التحرش في بر مصر

  مصر اليوم -

التحرش في بر مصر

بقلم - مأمون فندي

التحرش الجنسي هو ذلك الجسر الرابط ما بين انحطاط الأخلاق في مجتمع ما (incivility)، وبين العنف بشكل عام بمعناه الواسع، بداية من العنف اللفظي إلى العنف المباشر وأذى الحسد. أكتب عن التحرش اليوم، لأن التحرش الجنسي كان العنوان الرئيس للصحف و«السوشيال ميديا» خلال الأسبوع الفائت في بر مصر، والسؤال اليوم كما طرحه سابقاً الدكتور جلال أمين «ماذا حدث للمصريين؟»، الذي يحاول فيه التنظير للتغيرات في حياة المصريين خلال الفترة من 1945 إلى 1995، التي أدت إلى تغيرات بنيوية في الشخصية المصرية. ومن هنا يكون السؤال المصاحب: هل التحرش عرض لمرض أعمق كما سرطان يسري في جسد المجتمع يجب استئصاله؟ أم أنه أمر عارض سيختفي بسرعة؟ أم أنه ذلك الجسر الرابط ما بين العنف اللفظي الذي ساد ثقافة المصريين، والعنف الجسدي الذي يمارسه الأفراد والدولة معاً ضد الخصوم؟

ظاهرة التحرش خلال الأسابيع الفائتة لم تكن مصرية فقط، بل شاهدنا أمثلة عليها في تونس، ونقلت لنا الأخبار قصة التحرش الجماعي بفتاة قاصر في المغرب شوه جسدها بوشوم بذيئة. إذن الظاهرة ليست مقتصرة على مصر، بل ربما تعكس حالة من العنف بدأت تصبح ظاهرة في بلاد العرب تحتاج إلى نقاش يليق بحجم المشكلة. ومع ذلك يبقى السؤال في رأسي، هل نرى زيادة لافتة في نسب التحرش، أم أن الأمر كان موجوداً دائماً، والجديد هو زيادة في الكشف الصحافي المتمثّل في الإعلام الموازي على صفحات التواصل الاجتماعي؟
لا أدعي إلماماً بالحالة المغربية أو التونسية، ولكن استخلاص بعض الملاحظات على الحالة المصرية قد يلقي الضوء على ملامح الظاهرة ودوافعها في بلدان أخرى.

خلال الستين عاماً الماضية حدثت تغيرات كبرى في المجتمع المصري؛ أولها تغيير بنية النظام السياسي وانعكاساته على طبيعة المجتمع.

ظني أن المجتمعات المغلقة سياسياً واجتماعياً تجعل من الحديث أمراً محرماً، أو فاضحاً، ففي الأنظمة الديكتاتورية يمارس الإنسان نوعين من الحياة، واحدة على المسرح الاجتماعي الذي يمثل فيها المواطن، وكأنه على خشبة مسرح، دور المواطن الصالح الكامل، والخالي من كل الأمراض السياسية والاجتماعية، ومتى ما عاد إلى خلوته لعن المجتمع والظروف التي وضعته على هذا الحال، وهذه الملاحظة لا تخص العالم العربي وحده، بل هي ظاهرة أوسع نظر لها الأستاذ بجامعة «ييل» الأميركية جيمس سي سكوت في كتابه الموسوم «أسلحة الضعفاء» (weapons of the weak).

في المجتمعات التسلطية، كما يرى المؤلف، يكون العنف أفقياً، بمعنى أنه، ونتيجة عدم القدرة على الاحتجاج ضد النظام، يمارس الناس العنف تجاه بعضهم البعض بصور مختلفة، والتحرش الجنسي بالمرأة بصفتها الضلع الأضعف هو واحدة من تجليات عدم القدرة على مواجهة النظام.

هناك علاقة بين ذكورة الرجل وبقائه تحت نظام تسلطي، إذ يحس برؤية فرويد على أنه فاقد لتلك الذكورة، لذلك يمارسها على المرأة بشكل عنيف لاستعادة ذكورة اجتماعية مفقودة سياسياً.

فكلما زاد عنف النظام ضد الرجل، يزداد بالتبعية عنف الرجل ضد المرأة للتأكيد على ذكورة تبدو محل شك.

منذ الخمسينات والنظام السياسي يبني عمراناً سياسياً تتاح فيه الذكورة الاجتماعية، وإلغاؤها سياسياً، وإن كان مسموحاً بقدر ما من الذكورة السياسية، فهي موجهة إلى خارج الحدود في الحديث الذكوري عن الاستعمار، والمواجهة مع عدو بعيد، ويتجلى ذلك بوضوح في الأفلام السينمائية المصرية، وبهذا يمكننا القول: إن ظاهرة التحرش الجنسي ليست جديدة، ولا العنف ضد المرأة بجديد، ولكن الرغبة في السرد، ووجود وسائل للنشر غير تلك التي يتحكم فيها النظام المغلق هو الجديد في الأمر. وللحديث بقية.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التحرش في بر مصر التحرش في بر مصر



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 18:02 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
  مصر اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم الدشاش

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 06:04 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 31 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 14:18 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

من أي معدن سُكب هذا الدحدوح!

GMT 21:19 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تربح 7.4 مليارات جنيه ومؤشرها الرئيس يقفز 1.26%

GMT 21:48 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon