توقيت القاهرة المحلي 12:19:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التحرش في بر مصر

  مصر اليوم -

التحرش في بر مصر

بقلم - مأمون فندي

التحرش الجنسي هو ذلك الجسر الرابط ما بين انحطاط الأخلاق في مجتمع ما (incivility)، وبين العنف بشكل عام بمعناه الواسع، بداية من العنف اللفظي إلى العنف المباشر وأذى الحسد. أكتب عن التحرش اليوم، لأن التحرش الجنسي كان العنوان الرئيس للصحف و«السوشيال ميديا» خلال الأسبوع الفائت في بر مصر، والسؤال اليوم كما طرحه سابقاً الدكتور جلال أمين «ماذا حدث للمصريين؟»، الذي يحاول فيه التنظير للتغيرات في حياة المصريين خلال الفترة من 1945 إلى 1995، التي أدت إلى تغيرات بنيوية في الشخصية المصرية. ومن هنا يكون السؤال المصاحب: هل التحرش عرض لمرض أعمق كما سرطان يسري في جسد المجتمع يجب استئصاله؟ أم أنه أمر عارض سيختفي بسرعة؟ أم أنه ذلك الجسر الرابط ما بين العنف اللفظي الذي ساد ثقافة المصريين، والعنف الجسدي الذي يمارسه الأفراد والدولة معاً ضد الخصوم؟

ظاهرة التحرش خلال الأسابيع الفائتة لم تكن مصرية فقط، بل شاهدنا أمثلة عليها في تونس، ونقلت لنا الأخبار قصة التحرش الجماعي بفتاة قاصر في المغرب شوه جسدها بوشوم بذيئة. إذن الظاهرة ليست مقتصرة على مصر، بل ربما تعكس حالة من العنف بدأت تصبح ظاهرة في بلاد العرب تحتاج إلى نقاش يليق بحجم المشكلة. ومع ذلك يبقى السؤال في رأسي، هل نرى زيادة لافتة في نسب التحرش، أم أن الأمر كان موجوداً دائماً، والجديد هو زيادة في الكشف الصحافي المتمثّل في الإعلام الموازي على صفحات التواصل الاجتماعي؟
لا أدعي إلماماً بالحالة المغربية أو التونسية، ولكن استخلاص بعض الملاحظات على الحالة المصرية قد يلقي الضوء على ملامح الظاهرة ودوافعها في بلدان أخرى.

خلال الستين عاماً الماضية حدثت تغيرات كبرى في المجتمع المصري؛ أولها تغيير بنية النظام السياسي وانعكاساته على طبيعة المجتمع.

ظني أن المجتمعات المغلقة سياسياً واجتماعياً تجعل من الحديث أمراً محرماً، أو فاضحاً، ففي الأنظمة الديكتاتورية يمارس الإنسان نوعين من الحياة، واحدة على المسرح الاجتماعي الذي يمثل فيها المواطن، وكأنه على خشبة مسرح، دور المواطن الصالح الكامل، والخالي من كل الأمراض السياسية والاجتماعية، ومتى ما عاد إلى خلوته لعن المجتمع والظروف التي وضعته على هذا الحال، وهذه الملاحظة لا تخص العالم العربي وحده، بل هي ظاهرة أوسع نظر لها الأستاذ بجامعة «ييل» الأميركية جيمس سي سكوت في كتابه الموسوم «أسلحة الضعفاء» (weapons of the weak).

في المجتمعات التسلطية، كما يرى المؤلف، يكون العنف أفقياً، بمعنى أنه، ونتيجة عدم القدرة على الاحتجاج ضد النظام، يمارس الناس العنف تجاه بعضهم البعض بصور مختلفة، والتحرش الجنسي بالمرأة بصفتها الضلع الأضعف هو واحدة من تجليات عدم القدرة على مواجهة النظام.

هناك علاقة بين ذكورة الرجل وبقائه تحت نظام تسلطي، إذ يحس برؤية فرويد على أنه فاقد لتلك الذكورة، لذلك يمارسها على المرأة بشكل عنيف لاستعادة ذكورة اجتماعية مفقودة سياسياً.

فكلما زاد عنف النظام ضد الرجل، يزداد بالتبعية عنف الرجل ضد المرأة للتأكيد على ذكورة تبدو محل شك.

منذ الخمسينات والنظام السياسي يبني عمراناً سياسياً تتاح فيه الذكورة الاجتماعية، وإلغاؤها سياسياً، وإن كان مسموحاً بقدر ما من الذكورة السياسية، فهي موجهة إلى خارج الحدود في الحديث الذكوري عن الاستعمار، والمواجهة مع عدو بعيد، ويتجلى ذلك بوضوح في الأفلام السينمائية المصرية، وبهذا يمكننا القول: إن ظاهرة التحرش الجنسي ليست جديدة، ولا العنف ضد المرأة بجديد، ولكن الرغبة في السرد، ووجود وسائل للنشر غير تلك التي يتحكم فيها النظام المغلق هو الجديد في الأمر. وللحديث بقية.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التحرش في بر مصر التحرش في بر مصر



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 14:07 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"يوتيوب" يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي
  مصر اليوم - يوتيوب يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا

GMT 09:43 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كباب بالزعفران
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon