توقيت القاهرة المحلي 09:25:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مدن مخططة من أعلى

  مصر اليوم -

مدن مخططة من أعلى

بقلم: مأمون فندي

عندما وصلت القاهرة أول مرة، أدركت أنها مدينة مخططة (من أسفل)، على عكس مدن الجنوب بين الأقصر وأسوان وبينهما إدفو وكوم امبو، كلها مدن مخططة من السماء، أو مخططة (من أعلى).
في مدن جنوب مصر، كانت المعابد التي تربط العبد بربه وعلاقتها الوطيدة بالمكان والطبيعة أولاً، ومن ثم خططت حولها المدن. بينما القاهرة بدأ تخطيطها كفسطاط للعسكر الذين دخلوها، حتى المقامات الروحية الضخمة التي فيها، مثل مقام السيدة زينب ومقام الحسين، أتت لاحقاً في فترات تاريخية بعد تأسيس المدينة.
الزوار الأجانب ومعهم المصريون، يحتفلون بيوم تعامد الشمس على وجه رمسيس في معبد أبو سمبل في أسوان، في تمام الساعة السادسة وخمس وعشرين دقيقة صباحاً من يوم 22 فبراير (شباط) من كل عام، أو الساعة الخامسة وخمس وثلاثين دقيقة مساء من يوم 22 أكتوبر (تشرين الأول) كل عام؛ حيث يتسلل شعاع الشمس لمسافة تقارب مائتي متر، ليستقر الضوء فوق وجه الملك رمسيس الثاني، كفيض من نور يرسم قسمات وجه الفرعون داخل حجـرته في قدس الأقداس في المعبد. وما تلك بالمنطقة الوحيدة في الجنوب المصري، إذ ترى هذا واضحاً في مثلث معبد الأقصر، ومعبد الكرنك، ومعبد حتشبسوت في غرب النيل، مثلث مرسوم من السماء، فالأقصر كما أسوان، المعابد كانت أولاً ثم أتت المدينة وكأنها مخططة (من أعلى)، ليس كالقاهرة أو مدن الشمال التي خططت (من أسفل) من الدنيا. لذلك لا يبني الجنوبيون بيوتهم في مواجهة النيل بخطوط متعامدة عليه، بل تسير حركة بيوتنا مع حركة النيل، لا نسير ضد التيار؛ بل معه. وهذا أقرب إلى فلسفة الداو (taoism) الصينية. نحن أقرب إلى خط الاستواء السماوي (celestial equator) منه إلى الأرضي.
الجنوبيون قبلوا التخطيط الروحاني لمدنهم، وانعكس ذلك على فلسفتهم في الحياة القائمة على الرضى والتسليم. لذا وإن كانت التنمية قليلة وبسيطة عندهم، فإنهم يدركون أن الرزق موجود لا ينقطع، يسري كما مجرى النيل؛ لأننا نسير في فلك الخالق مع النجوم والنهر.
المدن المخططة (من أسفل) مثل القاهرة، لا تمنح ساكنيها الثقة الحضارية أو القناعة؛ بل تمنحهم مزيداً من القلق والتوتر، وما تلك نقطتنا، فالنقطة عن علاقة الإنسان بالزمان والمكان، وتأثير كل ذلك على مسألة المواطنة والهوية.
المدن المخططة (من أعلى) تمنحك سلاماً داخلياً؛ لأنها تتقاطع مع الخطوط الفلكية للنظام الفلكي الكوني، ليس في مجموعتنا الشمسية وحدها، ولا مع مجرة درب التبانة؛ بل مع نظام أشمل وأوسع، وفي سفري لم أحس بذلك الإحساس الذي يمثله مثلث معابد الأقصر على ضفتي النيل (الكرنك والأقصر في الشرق، وحتشبسوت في الغرب) إلا في مدينة الرسول الكريم في المدينة المنورة. فالمدينة هي واحدة من تلك المدن المخططة (من أعلى) في توازن عجيب مع النظام الكوني للأفلاك والأجرام السماوية، فما بين القبة الخضراء وقباء خطوط الرحمة، ونسيج حريري من الطاقة، لا يدرك معانيها إلا من فهم معاني تعامد الشمس على وجه رمسيس، واختلافات ميل الخط السماوي، ليس في جانبها الاحتفالي كما يحدث كل عام في أبو سمبل، ولكن في جانبها الكوني الأبعد؛ حيث تميل الشمس ومعها نجوم أخرى لا يعرفها إلا القلة، عن كهفهم أو عن قدس الأقداس، ولذلك قصة أخرى، ألمحت لها في مقال سابق هنا بعنوان «المشي في المدينة»، («الشرق الأوسط» 9 فبراير 2015) وللحديث صلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مدن مخططة من أعلى مدن مخططة من أعلى



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 05:22 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

حجب منصة “إكس” في البرازيل للمرة الثانية
  مصر اليوم - حجب منصة “إكس” في البرازيل للمرة الثانية

GMT 09:51 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

أنواع مختلفة من الفساتين لحفلات الزفاف

GMT 06:29 2015 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

قضية فرخندة مالك زادة تفضح ظلم القضاء الأفغاني للمرأة

GMT 19:55 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة الفنانة فاتن الحناوي بسبب إصابتها بفشل كلوي

GMT 03:38 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

وزارة التخطيط تؤكد أن 5000 فدان في الفرافرة جاهزين للزراعة

GMT 22:33 2016 الجمعة ,18 آذار/ مارس

طريقة عمل البوظة السورية

GMT 09:56 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

توقيع رواية "ودارت الأيام" في بيت السناري

GMT 12:56 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

Snapchat سيتيح للمستخدمين قريبا تغيير "اسم المستخدم" الخاص بهم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon