توقيت القاهرة المحلي 09:34:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل نصبح ضحية الحرب الباردة الجديدة؟

  مصر اليوم -

هل نصبح ضحية الحرب الباردة الجديدة

بقلم : مأمون فندي

لا يكن عندك شك أنَّ حرباً باردة جديدة تتشكَّل بين أميركا وحلفائها من جهة، والصين وحلفائها من الناحية الأخرى، ولكن مثل كل الحروب بين القوى الكبرى فإنَّ من يدفع الثمن هم من يقفون على هامش الصراع من دول بعيدة عن واشنطن وبكين. أمثلة ضحايا الحرب الباردة الأخيرة قد توضح الصورة، فبينما كان ضحايا الحرب المباشرة من الأميركيين في فيتنام نحو 50 ألف قتيل، وصل عدد القتلى على الجانب الفيتنامي إلى ثلاثة ملايين قتيل.
أما في المواجهات غير المباشرة من إندونيسيا إلى سيريلانكا وأفغانستان في آسيا إلى موزمبيق وأنغولا في أفريقيا إلى السلفادور وتشيلي في أميركا الجنوبية فهي أرقام يشيب لها الولدان، ولكن لم يهتم بها الإعلان، جثث الموتى من ألوان وأعراق مختلفة لم تكن أبداً مركزاً للضوء والاهتمام.
لماذا يجب أن نهتم بهذه الحرب الباردة الجديدة؟ ببساطة لأنَّه من الوارد جداً أن نكون نحن ضحاياها. فلدينا خطوط فاصلة في منطقتنا ترسم ملامح المواجهة بين أميركا والصين، فكل النزاعات التي تكون إيران طرفاً فيها، سنجد أن الصين طرف فيها بشكلٍ تدريجي، وستكون واشنطن على الطرف الآخر منها، خلافات إقليمية تقليدية يتم استخدامها وقوداً للصراع الجديد. ونجد أنفسنا تدريجياً في أتون حروب كبرى لا ناقة لنا فيها، دع عنك الجمل. ولدينا من الحماس مما رأيناه في مواجهة الشيوعية حتى أصبح أبناؤنا في أفغانستان أكثر حماساً للحرب من أهل أفغانستان أنفسهم، ثم عانينا بعد ذلك من العائدين (blowback effect) الذين عادوا وأشعلوا في مصر حريقاً في تسعينات القرن الماضي، ونرى بقاياهم الآن على مستوى خريطة العالم العربي الأوسع.
لماذا أنا مشغول بتشكل حرب باردة جديدة؟ وهل هناك ما يشير إلى تشكل ملامحها؟ سأتناول هنا مؤشرين أساسيين؛ أحدهما يمثل القوة الصلبة والآخر يمثل القوة الناعمة. المثال الأول هو ذلك التحالف الجديد بين كل من أميركا وأستراليا وبريطانيا والذي يهدف إلى جعل أستراليا سابع قوة في العالم تصنع وتمتلك الغواصات النووية، والتي تهدف إلى رسم ملامح المواجهة البحرية بين الدول الثلاث من ناحية والصين من ناحية أخرى. بالطبع أعلنت أستراليا أن الإجراءات الجديدة لن تمثل خرقاً لمعاهدة عدم الانتشار (NPT) ولكن يبقى ذلك في إطار التصريحات المطمئنة، على غرار المكالمات بين رئيس الأركان الأميركي ونظيره الصيني والتي تقول إن الحرب بين أميركا والصين ليست أمراً وراداً الآن، ومع ذلك ترسل بريطانيا حاملة الطائرات المسماة باسم الملكة إلى بحر الصين الجنوبي في يوليو (تموز) الماضي.
إنَّ مثلث بريطانيا أستراليا وأميركا لهو نواة أساسية لتحالف يتَّسع لمواجهة الصين، مواجهة غير مصرح عنها بشكل واضح ومباشر، ولكنَّها أصبحت حقيقة واقعة. كما أن رقعة هذا التحالف ستتسع بأشكال صلبة وناعمة لتشمل معظم بقاع العالم.
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 دفعت أميركا بمبادرات أساسها تغيير أنظمة المنطقة سواء من الداخل بشكل مباشر من خلال الثورات أو التدخل الخارجي كما في حالة احتلال العراق 2003، والذي من بعده انهارت معادلة الأمن الإقليمي، أو من خلال تدخلات أكثر نعومة من خلال نقد أنظمة بلادنا التعليمية وتنقية ثقافتنا من مكوناتها التي سميت العنيفة (تحديث الخطاب الديني وإعادة النظر في المناهج التعليمية) وقد جرى شيء من هذا في المناهج التعليمية.
الجديد اليوم هو أن واشنطن ولندن تلحان على منطقتنا اليوم بتبني خطابهما ضد الصين، وما أعرفه هو أن الضغط شديد في هذا الاتجاه، وستترك عمليات التنفيذ لإبداع القوى المحلية في بناء هذا النهج نحو الصين وأرى هذا يتشكل كل يوم.
ما أخشاه هو أننا لم نتعلم دروس الحرب الباردة الماضية والتي أصبحنا جزءاً من ركامها ومخلفاتها. كان الحديث عن نجمة حمراء فوق النيل بمعنى انضواء جمال عبد الناصر تحت الراية السوفياتية رائجاً أيامها، وبالفعل قد انضوى ناصر ولكن بنسخة محلية وعناوين محلية مثل مشروع القومية العربية، وخطاب مناهضة الرجعية وغيرهما، ودخلنا حروباً خسرنا فيها أرضاً وبشراً في حرب ما كان لنا أن ندخل فيها، ورغم ذلك رسم عبد الناصر حدود ما عرف فيما بعد بالحرب العربية الباردة، وكانت صورة إقليمية مصغرة للحرب الباردة الكبرى، وكما تحولت في فيتنام إلى حرب ساخنة، أصبحت الحرب الباردة أكثر سخونة في بلداننا من خلال إذكاء النار في الصراع العربي الإسرائيلي، وانقلابات وحروب داخلية.
اليوم أرى أننا ندخل بملء إرادتنا ومن دون أن ندرك في أتون صراع عالمي جديد، ترسم ملامحه بعيداً عنا، وتبدأ تجاربه الحربية في منطقتنا، ونكون نحن ضحاياه بالدرجة الأولى، وما عليك اليوم إلا أن تتابع كيف تقف الصين ومن حولها روسيا وتنجذب إليهما إيران من ناحية، وكيف سيتكون المعسكر المضاد، ليس دفاعاً عن مصالح ذاتيه، ولكن لمجرد أن المباراة قد بدأت وبالقصور الذاتي سنجد أننا نشجع الفريق الآخر، ولكن من دون استراتيجية.
آن لنا أن نكون أكثر حصافة هذه المرة، ونقيم الموقف برؤية استراتيجية أكثر وضوحاً، ولا ننحاز إلا لمصالحنا، ونجنب أنفسنا دفع الثمن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل نصبح ضحية الحرب الباردة الجديدة هل نصبح ضحية الحرب الباردة الجديدة



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:14 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
  مصر اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 15:26 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز "غلوب سوكر"
  مصر اليوم - رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز غلوب سوكر

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك
  مصر اليوم - الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 14:07 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"يوتيوب" يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي
  مصر اليوم - يوتيوب يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon