توقيت القاهرة المحلي 10:09:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بندر

  مصر اليوم -

بندر

بقلم: مأمون فندي

هكذا، كما في العنوان، عندما تقول الاسم مجرداً في «واشنطن دي سي»، لا يخطر ببال أحد في عاصمة السياسة العالمية إلا شخص واحد هو بندر بن سلطان. وواشنطن، كما كتبت عنها في هذه الصحيفة من عام 2003، أي منذ سبعة عشر عاماً، مدينة قاسية لا تنادي أحداً باسمه الأول فقط إلا ما ندر. قلت يومها إن «واشنطن مدينة شديدة القسوة في أحكامها، يصعب فيها تغيير الانطباع الأول، خصوصاً السيئ منه، فهي مدينة لا تحب التفاصيل أو المقدمات الطويلة، وعلى الأخص المقدمات التي لا تدخل في سياق القصص الدائرة، ويخيب أمل الزائر إن أراد أن يحكي حكاية جديدة، فشروط واشنطن الأولية هي أن تلتحم حكايتك بالحكايات السائدة في المدينة، تشاركها في الحبكة وكذلك في النسيج ولا تبتعد عنها في الموضوع». وكان بندر يعرف دوماً كيف ينسج قصته داخل حكاية واشنطن.
ليس كل لقاء على قناة «العربية» يصبح قصة في صحيفة «نيويورك تايمز» (السيدة العجوز) أو قصة في صحيفة أخرى في اليوم التالي. حديث الأمير بندر لـ«العربية» خلق موجة إخبارية من دبي إلى واشنطن ونيويورك، لذا لا يمكن تجاهل ما جاء فيه. وبندر لا يتحدث كلَّ يوم.
أمران أساسيان في حديث الأمير يلفتان الانتباه: الأول هو أن الحديث كان بالعامية السعودية وموجّهاً إلى السعوديين والسعوديات، وأسلوب الحديث مطرز باللهجة المحلية مثل «حنا» بدلاً من «نحن» وهكذا. أما الأمر الثاني، والذي لا أشك في صدقيته، فهو عندما قال إن نكران بعض القادة الفلسطينيين لفضل المملكة في خدمة القضية «لن يؤثر في تعلقنا بقضية الشعب الفلسطيني». وأنا هنا مقتنع بما قاله، فالسعوديون مهما بلغ الخلاف بينهم وبين بعض القيادات الفلسطينية، والخلاف سُنة من سُنن العلاقات الدولية، لن يتخلوا يوماً عن قضية العرب الأولى.
الأمير بندر الذي شاهدناه على قناة «العربية» يتحدَّث إلى السعوديين، هو ذاته في واشنطن والعواصم العالمية، دبلوماسي محنَّك يتحدَّث إنجليزية طليقة واثقة وحاسمة، ومع ذلك إن سألته عن ثقله ووصفه بالسلطة الخامسة، يقول لك إن ثقل بندر وقيمته يأتيان من ثقل المملكة وقيادتها التي منحته الصلاحيات وحرية الحركة.
ليس من الحصافة أن يصطاد البعض في حديث الأمير، الذي عمل كثيراً للقضية الفلسطينية، ومحاولة طرح أسئلة من نوع لماذا الآن؟ التفسير البسيط في هذه الأمور هو دائماً الأقرب إلى الصحة، ولو دققنا في عدد المرات التي ذكر فيها كلمة المواطن السعودي يبطل العجب، فالأمير بندر مثله مثل أي مواطن سعودي، من حقه أن يغضب لوطنه ويدافع عن سمعة بلاده. وهو ليس بالمواطن العادي، فربما يتذكر جميعنا أنه في فترة توليه منصب سفير السعودية في الولايات المتحدة، رتَّب لزيارة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز لمزرعة الرئيس جورج دبليو بوش، وعندها عرض الملك عبد الله فيديوهات لبوش توضح مدى الظلم الواقع على الفلسطينيين من قوة الاحتلال الإسرائيلي. كانت زيارة تركت صدى قوياً في الولايات المتحدة آنئذٍ.
لماذا الآن؟ لأن السعوديين يشعرون بأنه قد بلغ السيل الزُّبى في التطاول على بلدهم، ومن حق أي سعودي أن يغضب لبلده، خصوصاً بعد ما قامت وتقوم به المملكة تجاه الشعب الفلسطيني.
إذا كانت فلسطين هي قضية العرب، وهي بالتأكيد كذلك، فلماذا تغضب القيادة الفلسطينية من رجل خبير بدهاليز السياسة الدولية يطالبهم بتصحيح المسار؟
في مقالي الذي كتبته هنا عن واشنطن في 2003، قلت إن كثيرين «من جماعتنا يزورون واشنطن أو يعملون بها، ولقلة خبرتهم يظنون أن المدينة وقعت في حبائلهم، ولا يدرون أنها أرسلتهم في مطاردة إوزة برية (goose chase)، هذا بالطبع لا ينفي أن المدينة تقع في حب رجال تركوا فيها وعليها بصمة، وهم قلة نادرة، من عالمنا العربي أستطيع أن أُحصي ثلاثة أسماء فقط لا داعي لذكرها، تركوا بصمات أو ما زالوا، وذلك لاستخدامهم أدواتهم بمهارة ومعرفتهم ببعض مفاتيح المدينة».
اليوم أقول إن الثلاثة هم: أنور السادات والملك حسين وبندر بن سلطان.
حديث الأمير بندر ضرورة لحقن جرعة من العقلنة في جسد المنطقة، لتأكيد أن علاقات الدول يحكمها مبدأ السيادة الوطنية، ومن حق أيٍّ منها أن تسعى لتحقيق مصالحها، ولكن ليس بالضرورة على حساب الآخرين. لذا يكون نقد الأمير بندر للقيادة الفلسطينية ومحاولة ترشيد مسارها في سياق تتغير فيه الأطر الجيوسياسية، هي نصيحة من نوع ما يسمى «الحب القاسي Tough Love».
المنطقة تتغير والعالم أيضاً يتغير، لذا يكون من الضرورة أن نسمع الناس من ذوي الخبرة الذين عركتهم الأحداث السياسية، وكانوا بالفعل فاعلين لا مجرد واقفين متفرجين على هامش الأحداث. الأمير بندر واحد من قلة من العالمين الذين يجب الاستماع إلى نصائحهم في أوقات تكاد تضيع فيها البوصلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بندر بندر



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon