توقيت القاهرة المحلي 10:56:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً»

  مصر اليوم -

جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً»

بقلم: مأمون فندي

جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً» هي عكس فكرة الرأي المغاير (dissenting opinion) التي طرحتُها في مقال سابق، فبينما تكون مساحة الرأي المغاير طريقاً لتصحيح أخطاء الرأي الواحد، نجد أن جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً» لا توافق وتدعم الرأي الأوحد فحسب بل «تعلّي عليه»، أي تبالغ في تأييده والإتيان بأدلة أكثر بلاغة فيقتبس من حاشية لابن خالويه تارةً ومن ابن المقفع تارةً أخرى ومن جرير ومن البحتري وأبي تمام، وشهادات من الأندلس وملوك الطوائف، بعضها له سند ومعظمها بلا سند، يلهث في مضمار ما يعرف من الشِّعر وغير الشِّعر ليؤيد رأياً عجز البرهان العقلي عن أن يجعل منه الرأي الأكثر صواباً. هذا النوع من المبالغة في التشجيع والتطبيل هو ما يجعل الكارثة مضاعَفة نتيجة للتطبيل الذي يأتي بعكس النتائج المرجوّة في كثير من الأحيان.
أقرب مثل لجماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً»، في تسويق للسياسات، هو ما تفوّه به المذيع المصري تامر أمين عندما أهان أهالي الصعيد مجتمعين في محاولة منه للترويج لسياسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وحديثه عن أزمة تزايد السكان في مصر كتحدٍّ وطني.
فبدلاً من أن يسوّق المذيعُ سياسات الرئيس ويقنع بها جمهوره، ضربها في مقتل عندما قال إن الصعايدة ينجبون ويرسلون بناتهم للخدمة في البيوت في القاهرة. وقصة «خدمة البنات في البيوت» أمر أقرب إلى المستحيل في الثقافة الصعيدية لمن يعرف أوّليات تلك الثقافة. والصعيد الذي يمتد من محافظة الجيزة جنوب القاهرة حتى أبو سمبل وحدود مصر مع السودان هو ما كان يُعرف بمصر العليا والتي كانت دولة مستقلة حتى وحَّد الفرعون مينا أو نارمر القطرين منذ ما يزيد على ثلاثة آلاف عام. ومع ذلك بقي الصعيد حضارة وثقافة مختلفة إلى يومنا هذا. هذا الاختلاف الثقافي لم يتبلور إلى هوية سياسية إلا في حالات نادرة في التاريخ المصري، ومع ذلك فيه من الاختلاف ما يجعل بذرة الهوية المستقلة قابلة للنمو، وهذا النوع من إثارة النعرات وردود الفعل عليها هو الماء الذي يسقي هذه البذرة، وهو كفيل ببلورة الهوية الصعيدية ونقلها من الحالة الثقافية إلى الحالة السياسية التي تسبب شرخاً له تبعات كبرى على استقرار بلد بحجم مصر. ومن هنا قد تتسبب ممارسات جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً» بغباء في محاولة الزيادة في التطبيل الذي يحوّل السياسات من مسار إلى مسار ويأتي بعكس ما كانت تهدف إليه، ليدخلنا في كارثة وطنية. ولا أظن أن ذلك ما كان يقصده الرئيس عندما طرح مشكلة التزايد السكاني.
الرئيس المصري كان يقصد أن تحدي زيادة السكان بالنسبة إلى التنمية في مصر أمر يحب النظر فيه بجدية. ولكن من روّجوا له من جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً» كادوا يحرقون الوطن، فإذا كان المصريون يخشون تفكك النسيج الاجتماعي في مسألة علاقة الأقباط بالمسلمين في مصر، فكارثة الدفع بالهوية الصعيدية لها عواقب أضعافاً مضاعفة.
جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً» هي جماعة مستعجلة على التصفيق والتطبيل، جماعة لا تتذوق الأفكار أو تُعمل العقل ومفرغة من حساسيات اجتماعية وسياسية، فهي جماعة لا تتوقف كثيراً عند تبعات ما تصفّق له، أو تردده، لا على مستوى إيذاء الأقليات الدينية أو العِرقية أو على مستوى إهانة المرأة. وهذه الظاهرة ليست مصرية بل أدعي أنها تمتد إلى العالم العربي كله، ولذلك أكتب عنها هنا ليتأمل كل منّا الكوارث التي تتسبب فيها جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً» في وطنه.
جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً» تختلف عن جماعة «مع الخيل يا شقرا» التي تمثل الانجراف مع الرأي السائد، وهي جماعة أقل خطراً ووطأة، وهما غير جماعة الرأي المغاير الذي أشرت إليه في المقال السابق الذي يؤكد أهمية العقلية النقدية ووجودها في المجتمع لتصحيح المسار... وبرأيي إن أخطرها على مستقبل مجتمعاتنا هو جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً»... جماعة التصفيق المبالَغ فيه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً» جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon