توقيت القاهرة المحلي 20:04:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عشر سنوات من العقل المعطل

  مصر اليوم -

عشر سنوات من العقل المعطل

بقلم: مأمون فندي

مدهش أن تنجح الاحتجاجات السياسية التي عُرفت اصطلاحاً بالربيع العربي لتُسقط خمسة أنظمة في تونس وليبيا ومصر واليمن وفيما بعد نظام البشير 2019. ورغم أن الاحتجاجات تملأ شوارع الجزائر العاصمة بشكل شبه يومي بعد مرور عقد من الزمان على الربيع، فإنَّ هذه الاحتجاجات والانهيارات التي صاحبتها لم تقابلها دراسات جادة لأسباب الثورات، أو لماذا انهارت أنظمة أمنية كان يتوهّم معظمنا أنَّها شديدة البأس بهذه السرعة كأنها عهن منفوش؟ أو لماذا ظهرت الاحتجاجات في بعض دول العالم العربي ولم تظهر في بعضها الآخر؟ ولماذا الجمهوريات لا الملكيات؟ ولماذا تأخرت ثورة السودان ثماني سنوات؟ ولماذا تستمر الاحتجاجات في الجزائر حتى كتابة هذه السطور؟
أسئلة مقارنة كثيرة كان يمكن أن تفضي إلى إجابات كاشفة وتنير الطريق من أجل تبني سياسات تجنِّب المنطقة العربية تلك العثرات ذات التكاليف العالية؟ ورغم هذه التكاليف الكبيرة، ورغم مرور عقد من الزمان على هذه الثورات، ما زالت تتسيَّد الفضاءات الإعلامية طروحات مخجلة من نوعية حديث المؤامرات وإعفاء الذات والعقل معاً من تحمل مسؤولية ما أفضت إليه سياسات سيئة السمعة في تلك البلدان سواء ارتبطت الأسباب باستشراءٍ لفساد فاضح، وانسداد سياسي وسياسات اقتصادية لا علاقة لها بالعصر الحديث.
غريب أن يرى بعضنا أن كل هذا لم يكن أسباباً لانهيار الأنظمة، فقط المؤامرة الغربية على تلك المنطقة كانت سبباً. منطقيٌّ أن يتآمر الغرب على الصين مثلاً كقوة عظمى بازغة تناطح أعتى القوى الغربية، فلماذا يتآمر الغرب على منطقة مجمل ناتجها القومي لا يساوي إجمال ناتج دولة أوروبية فقيرة مثل إسبانيا، وأنَّ المهاجرين منها يمثلون 14% من مهاجري العالم، وإنتاجها الثقافي والعلمي لا يُذكَر؟ لماذا يتآمر الغرب على منطقة معظمها بكل هذا الفقر، منطقة لو تخيلناها كواحدة من أحياء مدينة مثل لندن أو نيويورك لكانت أسعار البيوت فيها هي الأرخص لما فيها من فقر وعزوف الناس عن السكنى فيها.
بعد مرور عقد من الزمان ما زال الحديث عن الحدث في إطار أنَّه كان حدثاً تاريخياً يقول البعض إنه حَمْلٌ كاذب أو مولود حقيقي تم إجهاضه، أو هو مؤامرة كبرى على الأمة العربية دونما نقاش جاد لما حدث، فقط بعضنا مع هذا الربيع والبعض الآخر ضده على إطلاقه، والبعض الآخر على خجل يصفه بـ«ما يسمى الربيع»، وتنجح حيل اللغة وإعلان المواقف في إعفائها من البحث عن أسباب ما زالت قائمة.
تفسير المؤامرة، بدايةً، لا يستحق النقاش، لأنَّ العقل البشري غير قادر على إنتاج مؤامرة تمتد من تونس حتى دمشق، مروراً بالقاهرة وصنعاء مع اختلاف الأنظمة والحكام والثقافة، وتفعل ما فعلت في يوم وليلة. الثانية، أنه لا يوجد شيء خارق في معظم المنطقة العربية يدعو إلى التآمر على بلدان محدودة الدخل والاقتصاد والتعليم وأنهكها المرض.
هل الثمانية عشر يوماً من الحرية، وعند البعض الفوضى، التي سادت مصر أيام ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 هي فاصل إعلاني في تاريخ طويل من الاستبداد، أم أنها امتداد لاحتجاجات سياسية سابقة مثل الثورة العرابية وثورة 1919 وغيرهما؟ وهل كانت الاحتجاجات مجرد كرنفال شعبي أفضى إلى أغاني المهرجانات كنتيجة منطقية لتعطيل العقل لعقود سابقة؟ لا يهمني كثيراً ما يقوله مَن يتصدرون مشهد التحليل السياسي اليوم، ولكن يهمني كثيراً أن تظن الأجيال القادمة أن هذا هو حدود العقل والمعرفة في تحليل الظواهر الاجتماعية.
لسنا وحدنا في هذا العالم، ومنطقتنا ليست هي المنطقة الوحيدة التي قامت بها ثورات وفورات وانقلابات، فهناك فرع كامل في علم السياسة يمكن تسميته علم الثورات، أصَّل له أستاذنا تيد روبرت غر Ted Robert Gurr، شرح فيه أنَّ أحد أهم أسباب الثورات يكمن في تلك الفجوة بين ما يتوقعه الناس من النظام الحاكم، مقارنةً بما يحصلون عليه فعلاً، وهو ما سماه الحرمان النسبي. ذلك كان تفسيره بعد دراسات أمبيريقية مقارنة حاول من خلالها الإجابة عن السؤال الذي أصبح عنوان كتابه الكلاسيكي في علم الثورات وهو «لماذا يتمرد البشر؟». هذا المنهج هو الذي يحب أن نعلّمه لأبنائنا.
ليست لديَّ مشكلة مع عقل معطّل اليوم، ولكن مشكلتي مع تعطيل عقول المستقبل. إذ لا يستقيم للعقل أن نتمنى لأبنائنا وبناتنا مستقبلاً مشرقاً، ونحن نحجب عنهم نور شمس العقل الذي يساعدهم على فهم حاضرهم وتلمس رسم ملامح خريطة مستقبلهم، فإنكار الحقيقة لا يعني أبداً غيابها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عشر سنوات من العقل المعطل عشر سنوات من العقل المعطل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:59 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند
  مصر اليوم - تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

أنجلينا جولي تكشف عن شعورها تجاه عملها بعد رحيل والدتها

GMT 15:48 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ليونيل ميسي يختار نجمه المفضل لجائزة الكرة الذهبية 2024

GMT 13:55 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

اتفاق رباعي علي خارطة طريق لإيصال الغاز إلي بيروت

GMT 06:11 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الشكشوكة التونسية

GMT 19:44 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل العثور على "سوبرمان هوليوود" ميتاً في صندوق

GMT 04:38 2019 الثلاثاء ,09 تموز / يوليو

تعرفي على 9 موديلات مميزة لتزيّني بها كاحلكِ

GMT 22:22 2019 الأربعاء ,27 شباط / فبراير

مستوى رمضان صبحي يثير غضب لاسارتي في الأهلي

GMT 04:46 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

إليكِ أفكار سهلة التطبيق خاصة بديكورات المطابخ الحديثة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon