توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

استيعاب إدارة بايدن

  مصر اليوم -

استيعاب إدارة بايدن

بقلم: مأمون فندي

كلمة «استيعاب» في عنوان المقال قصدت بها معنيين اثنين: الأول بمعنى الفهم، والآخر بمعنى الاحتواء وتحمُّل الصدمات. في الكتابات العربية عن السياسة الأميركية قليل مما يثير الاهتمام نتيجة لعدم الاستيعاب والفهم لطبيعة النظام الأميركي مجملاً ولطبيعة تفاعلات الأطراف في واشنطن، أو حتى طبيعة اللغة التي تكتب بها واشنطن أو تتحدثها. ولنبدأ بمثال يوضح ما قلته للتوّ، فمثلاً في حديث وزير الخارجية الأميركي مع نظرائه في العالم، من بريطانيا إلى فرنسا إلى إسرائيل أو مصر، نجد عبارة «حليف استراتيجي» (strategic ally) عندما يتحدث عن بريطانيا، ونجد أيضاً تعبير «شريك استراتيجي» (strategic partner) عندما يتحدث عن مصر. وفي الترجمات العربية نتحدث كأن المصطلحين لهما المعنى ذاته، ولكنّ الحقيقة أنهما مختلفان تماماً، فالحليف هو مصطلح قانوني في المقام الأول مبنيّ على اتفاقيات ومعاهدات دولية ذات صبغة قانونية، أما الشريك فهو مجرد تعاون بحكم المصالح ومن دون أي التزام قانوني. فكل كلمة تصدر عن واشنطن محسوبة بدقة. المثال الآخر والأساسي هو مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان. يخطئ مَن يظن في منطقتنا أننا نحن المقصودون بالديمقراطية وحقوق الإنسان، فهناك جائزة أكبر منّا وأهم بالنسبة إلى الإدارة الأميركية وهي الصين ومعها روسيا بالتبعية، فلهزيمة النموذج الصيني ليس لدى إدارة بايدن مفهوم استراتيجي آخر غير الديمقراطية وحقوق الإنسان، آيديولوجيا جديدة أقرب إلى تلك التي أدت إلى هزيمة الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة. نحن لسنا مقصودين، ولكنْ أمامنا اختيار: فهل نحن مع تحالف الديمقراطيات الجديد أم سننحاز إلى الكتلة الديكتاتورية كما انحاز عبد الناصر من قبل؟ هذان مجرد مثالين على أننا نخطئ أحياناً في فهم لغة واشنطن، ويجب علينا تعلمها وتعلّم سبل تأويلها كي لا نتوه في مواقفنا وأفعالنا مع الإدارات الأميركية.
ثانياً، يمكن القول إن أي إدارة أميركية هي عبارة عن ثلاث مجموعات أساسية: البيت الأبيض وما يصدر عنه، والكونغرس وما يُشرع فيه، وجماعات المجتمع السياسي المختلفة من وسائل إعلام متنفذة ومراكز أبحاث ذات سطوه علمية ونشطاء سياسيين وجماعات ضغط مؤثرة (lobbies). تفاعُل كل هذه الأطراف هو الذي يرسم ملامح أي قضية ستُطرح على الطاولة المركزية للنقاش في الولايات المتحدة الذي يسبق اتخاذ أي قرار بشأن دولة ما في العالم أو في ملف ما، سواء أكان الملف النووي الإيراني أو ملف تغير المناخ.
في هذا المقال سأحاول أن أقدم قراءة لإدارة بايدن من ذلك الطرف الأخير من قطعة القماش التي تبدو كأنها خيوط على الهامش، وسأحاول توضيح أهمية هؤلاء اللاعبين ودورهم الذي ما يلبث في لحظة أن يشكّل مركزية القرار وجوهر القصة.
اللاعبون الأساسيون في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن معروفون للجميع تقريباً، سواء أكان وزير الخارجية أنتوني بلينكن، أو وزير الدفاع لويد أوستن، أو رئيس المخابرات المركزية ويليام بيرنز، مع أن استيعابنا لقدرات بيرنز ما زال ناقصاً باستثناء مَن عملوا معه بشكل مباشر عندما كان سفيراً لأميركا لدى الأردن، أو عندما كان نائباً لوزير الخارجية في عهد أوباما، وبيرنز يتحدث ويقرأ ثلاث لغات بطلاقة إحداها العربية. ومن الصعب جداً تضليله، فهو يعرف المنطقة مثلما يعرف كفّ يده.
قراءة إدارة بايدن من أطرافها تكشف لنا الكثير عن عملية نسج القصة الأميركية عن الشرق الأوسط. وأبدأ بشخصية تبدو هامشية وهي سمانثا بور، المسؤولة عن المعونة الأميركية... سمانثا بور ليست ككل من سبقها في إدارة المعونة الأميركية التي كانت مجرد إدارة تابعة للخارجية الأميركية؛ إذ تم في عهد بايدن رفع مستوى هذه الإدارة إلى وزارة، وتجلس سمانثا بور على طاولة الحوار السياسي برتبة وزير وناشطة حقوق الإنسان، وسفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة في إدارة باراك أوباما. وبهذا يصبح ربط بايدن المعونة الأميركية بحقوق الإنسان وقوة المجتمع المدني والديمقراطية، أمراً لا يقبل الجدل أو المماطلة أو التنصل، فهو جزء أصيل من أعمدة خيمة بايدن السياسية.
أما الشخص الثاني الذي يبدو كأنَّه مسؤول هامشي في السياق الوزاري أو سياق صناعة القرارات فهو روبرت مالي، مسؤول الملف الإيراني ورئيس مجموعة الأزمات السابق. قراءة من الهامش قد تكشف لنا الكثير عن طبيعة ومادة نسيج القصة الشرق أوسطية في إدارة بايدن.
من نافلة القول إنَّ القراءة السياسية لأي مشهد تكون ناقصة إذا ما انصبَّ التركيز كله على اللاعبين، فهناك مؤسسات النظام وكذلك السياق المحيط. وكما أسلفت، ففي واشنطن ثلاث مجموعات تشكّل القصة الأساسية: الإدارة، والكونغرس، ومجتمع مراكز الأبحاث المختلفة، ومع ذلك يبقى التفسير السياسي ناقصاً، إذا لم تكن لدينا قراءة كافية للاعبين المحرّكين للأحداث أو مَن لديهم القدرة على فرض سرديات قصة جديدة.
سمانثا بور وروبرت مالي قادمان من الفئة الثالثة، وهو مجتمع الأبحاث والصحافة، وكلاهما له توجه آيديولوجي تجاه قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي أصبحت ركيزة أساسية في السياسة الخارجية لإدارة بايدن. وفي حالة سمانثا بور يتَّضح اهتمام المرأة بقضايا حقوق الإنسان من قضايا الإبادة الجماعية من البلقان إلى أفريقيا، ويتَّضح من كتابها الأخير عن «تعليم الإنسان المثالي» وتجربتها الشخصية كمهاجرة آيرلندية يتضح نهج المثالية في العلاقات الدولية كنقيض للمدرسة الواقعية.
الجزئية الخاصة بأصولها الآيرلندية مهمة لتقاطعها مع خلفية الرئيس جو بايدن نفسه الذي يعتز أيضاً بأصوله الآيرلندية والكاثوليكية. ومن هنا يكون لصوت سمانثا بور صدى مسموع في أذن الرئيس.
روبرت مالي اليهودي من أصول مصرية له حساسية خاصة تجاه حقوق الأقليات والديمقراطية في الشرق الأوسط، تفرضها عليه تجربة والده الذي كان مراسلاً لجريدة «الجمهورية» المصرية في نيويورك حتى نُزعت عنه الجنسية المصرية، رغم أنه كان يسارياً مسانداً لقضايا العالم الثالث خصوصاً حملة عبد الناصر ضد الاستعمار في أفريقيا.
تعرفت على روبرت في واشنطن عندما كان يعمل في مجموعة الأزمات الدولية، ورغم أنه على المستوى الشخصي لم يَرُق لي، فإن هذا لم يمنعني من تقدير ذكائه وقدراته كباحث جاد ودبلوماسي متميز صُنع في جامعات مرموقة، «أكسفورد» كانت إحداها. روبرت جزء من مجتمع أوسع يهتم بالديمقراطية وحقوق الإنسان، مجتمع كان له دور في وصول بايدن إلى البيت الأبيض. ومن هنا سيكون لصوته تأثير مهم في نسج قصة الإدارة الجديدة وآيديولوجية علاقاتها الدولية.
شخصيتان من هامش الإدارة ستشكّلان الحكاية التي تحتلّ منتصف الطاولة في الفترة القادمة من إدارة الرئيس جو بايدن فيما يخص الشرق الأوسط.
رؤية كل من سمانثا بور، وروبرت مالي ستنعكس على قرارات بايدن فيما يخص الشرق الأوسط جملةً، ما قد يقلّص الدعم الأميركي للمنطقة على المستويات العسكرية والاقتصادية وربطها بمجال الحريات وحقوق الإنسان. استجابة دول المنطقة أو استيعابها بالمعنى الثاني (أي استيعاب الصدمات) قد تكون سبباً أكبر إما في توسيع الفجوة وإما في رأب الصدع.
معظم دول الشرق الأوسط منذ ستينات القرن الماضي تتنازعها رؤيتان؛ واحدة تقول إنَّ أميركا غير مهمة ونحن أدرى بشؤوننا، والأخرى ترى أنَّ الانحناء للعاصفة أمر عملي. وفي معظم الأحيان تتسيد الرؤية غير العقلانية ورؤية المواجهة والعنتريات، وللأسف تكون النتائج كارثية كما رأينا في هزيمة 1967.
بايدن سيحكم من الهامش نتيجة تحكم الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي في مقدرات الحزب (جمهور السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز)، وفيما يخص الشرق الأوسط يكون التركيز على الشخصيات الهامشية في الإدارة، مثل بور ومالي، ضرورة لأي محاولة لكسب المعركة الأولى مع الإدارة الجديدة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استيعاب إدارة بايدن استيعاب إدارة بايدن



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon