توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ربيع عربي ضد القيم الرثة

  مصر اليوم -

ربيع عربي ضد القيم الرثة

بقلم - مأمون فندي

في الذكرى السابعة لثورة 25 يناير في مصر والتي أفكر دوماً في أسباب فشلها المؤقت كل عام، أتصور أن أول أخطاء ثورة يناير أنها كانت ثورة على مبارك وحده، ولم تكن ثورة على نظامه ككل، ومع ذلك ليست تلك خطيئتها الكبرى. الخطيئة الكبرى هي أنها لم تكن ثورة على القيم الرثة التي شكلت وعي المجتمع المصري خلال الستين عاماً الماضية، ثورة حدثت على الأرض ولم تحدث في الرأس والقلب. ولكي تنجح أي ثورة لا بدّ لها من أن تكون ليست مجرد ثورة على النظام السياسي، بل على القيم الحاكمة للمجتمع أيضاً والتي تشكل علاقة أفراد المجتمع ببعضهم البعض وعلاقة الحاكم بالمحكوم.

لم تناقش الثورة القيمة العليا التي تعتبر اللبنة الأولى لبناء أي مجتمع ديمقراطي، وهي قيمة المواطنة القانونية وعلاقات الأفراد ببعضهم في إطار القانون.

منذ عام 1952 والمجتمع المصري يرزح تحت القيم الرثة التي لم تتعرض لأي نقد سوى التصفيق الجماعي حتى كانت البلطجة الجماعية هي نتيجتها الأولى، ولذلك وحتى ثورة يناير 2011 كانت قيم البلطجة السياسية والغلبة هي السمة الطاغية في المجتمع، ولم تستطع الثورة تغيير أي منها. ولهذا أيضاً تشكل وعي المجتمع في إطار الغلبة لكتلة اجتماعية على كتلة أخرى، مثل غلبة جماعة الإخوان بعد الثورة، مما اضطر الجيش للتدخل بعد فساد الثورة، وسيتكرر هذا المشهد لستين عاماً أخرى إذا استمر المجتمع بذهنية القبيلة والغلبة، ورغم تفكك القبيلة في جزء كبير من المجتمع المصري، إلا أن قيم القبيلة ظلت سائدة في تجليات مختلفة من أصغرها فيما يعرف بـ«الشلة» إلى أكبرها فيما يعرف بالجماعة أو الحزب، قبائل من حيث القيم ولكنها بمسميات أخرى.

إن الثورة الحقيقية التي يجب أن تحدث في مصر هي الثورة على قيم البلطجة الاجتماعية والسياسية، ثورة على عقلية الغلبة بالعدد أو بقوة السلاح من أجل إعلاء قيم المواطنة.
إن السرد المهيمن والذي كرسه موظفو الحكومات الذين أطلقت عليهم مجازاً تسمية مثقفين، هو أن مصر مجتمع فرعوني، بمعنى عبادة الفرعون أو تأليه رأس الدولة، وهذا تجلى أيام حكم النظام السابق زمن مبارك، رغم أن مصر الفرعونية بالنسبة لأي باحث جاد لم تكن نظاماً واحداً في كل الأسر على مدار آلاف السنين، كانت أنظمة مختلفة حكمت فيها المرأة، وحكم فيها الطفل والرجل والغريب، وكان نقاش فرعون مع نبي الله موسى في المنافسة بين السحرة يخص المساواة والعدالة التي تضمن أن المنافسة شريفة، إذ جاء في الآية الكريمة ما يوضح التركيز على شرف المنافسة رغم العداء «قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى» (سورة طه).

ومكاناً سوى هنا تعني موضعاً يكون في المنتصف ليتمكن الناس من الحضور... ترتضيه أنت ونرتضيه، وهو ما يسمى في الغرب بـlevel playing field أو الملعب الذي يتساوى فيه الجميع بلا تحيز. إذن على الأقل، دعونا نعد هذه المنافسة التي كانت في زماننا القديم، وبهذا تكون مدرسة الفرعونية السياسية بالطريقة التي يعرضها بعض مثقفي الأنظمة هي اختزال مخل لتاريخ سياسي طويل على مدى آلاف السنين، وكانت مصر موحدة فيه مرة، ومتفرقة إلى أقاليم مرات وتغيرت فيه العبادات مرات أخرى. اختزال هذا التاريخ فيما عرف بالفرعونية السياسية هو إجحاف شديد.

«مكانا سوى» الذي يمثل المنافسة الشريفة كان أولى القيم على الأقل عند فرعون موسى وهي القيمة الأسمى في النظم الديمقراطية الحديثة. وعلينا أن ندفع في هذا الاتجاه حتى ولو كانت البلاد تواجه مخاطر محدقة بها، لأنها، في نظري، سوف تكسب بهذا ثقة الناس ورضاهم، وهذا أمر لا بدّ منه في أي تغيير نطمح إليه.

إن جو الخوف الذي يشاع، ولا يكون عندك شك أنه خوف حقيقي بالنسبة للناس على حياتهم، لا يوحي بجو المنافسة الشريفة. إن من يكتب اليوم في «فيسبوك» أو «تويتر» ليقول كلمة حق أو قريبة من الحق يتعرض إلى بلطجة سياسية كلامية من أناس يقحمون أنفسهم في كل شيء.

جاءت ثورة يناير كرد فعل للبلطجة السياسية التي مارسها أمين الحزب الوطني أحمد عز وتزوير الانتخابات البرلمانية عام 2010. وهذا التزوير الفج هو الذي أدى إلى الثورة. ورغم أن البلطجة السياسية كأولى القيم الاجتماعية الرثة كانت سبباً في قيام ثورة يناير، إلا أن الثورة وضعت نصب أعينها تغيير مبارك دونما مساس بالقيم الحاكمة لنظامه أو تعريضها للنقد والتمحيص. البلطجة السياسية مورست من قبل الإخوان بعد يناير مباشرة، ثم مورست فيما بعد من قبل تيارات أخرى ضد الإخوان، والسبب في كل هذا أن يناير لم تكن ثورة على القيم الرثة، بل كانت ثورة على نظام مبارك كأفراد وليس كمنظومة قيمية.

حان الوقت لربيع عربي ليس ضد الأنظمة، بل ضد القيم الرثة مثل الانحطاط والبلطجة كأسس لعلاقة الناس ببعضها البعض

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ربيع عربي ضد القيم الرثة ربيع عربي ضد القيم الرثة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon