توقيت القاهرة المحلي 02:08:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نظرية الهزيمة: إعادة التفكير في السابع من أكتوبر

  مصر اليوم -

نظرية الهزيمة إعادة التفكير في السابع من أكتوبر

بقلم - مأمون فندي

في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) عام 2023، كتبت في هذه الصحيفة أنه ليست في العلوم السياسية نظرية للنصر، وقلت يومها إن كثيراً من المختصين في العلوم السياسية والاستراتيجية ربما لا يعلمون أنه، حتى الآن، ليست هناك نظرية متكاملة للنصر «Theory Of Victory»، وهذا يدعونا للتفكير في كيفية تعامل بنيامين نتنياهو مع حربه على غزة، وهل يستطيع تحقيق نصر ما؟ الآن وبعد مرور ما يقرب من سبعة أشهر على الحرب، لا بد أن نتحدث إلى نتنياهو عن نظرية الهزيمة. ولتتريث قليلاً عزيزي القارئ؛ لأننا لسنا بمشجعي كرة قدم عندما نتحدث عن أمر جلل كتلك الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة، القصة ليست التصفيق لنصر أو الندم على هزيمة، بل تحليل هادئ للأمور من منظور مختلف. وبالمناسبة عندما أتحدث عن الإبادة الجماعية في غزة، فهذا ليس رأياً بل، هو واقع قانوني منظور أمام محكمة دولية.

فما نظرية الهزيمة التي يجب أن يتوقف عندها نتنياهو وحكومته؟ عندما كتب كارل فان كلوفتوتز نظريته عن الحرب، تحدث عن فشل أي جيش في تحقيق الأهداف السياسية للحرب. فهذا هو تعريف الهزيمة. وواضح للعيان أن القضاء على «حماس» بوصفه هدفاً أساسياً معلناً لحرب نتنياهو خلال السبعة أشهر الماضية، هو هدف لم يتحقق، وبذلك تكون الهزيمة بتعريف كلوفتوتز من نصيب نظام نتنياهو وجيشه. ولكن هذا التعريف تعريف ضيق للهزيمة في إطارها الاستراتيجي العسكري، فدعوني أوسع في هذا المقال مفهوم الهزيمة ليكون أكثر شمولية يمس النظام السياسي والدولة والمجتمع.

ليس وحده كلوفتوتز الذي كتب عن الهزيمة والنصر، فهناك في أدبيات الجيوش النظامية ومنظري الحروب كثير من التعريفات المختلفة للهزيمة والنصر. فمثلاً هناك فكرة التراكم والانقلاب التي تبناها فريدريك الثاني، أحد ملوك ألمانيا في القرن الثامن عشر، تقول إن هناك نقطة تتراكم عندها الانتصارات الصغيرة لتصل إلى نصر نهائي، ولكن التمادي بعد هذه النقطة يحول النصر إلى هزيمة، أو على الأقل، تكون فيها النتائج في صالح الجيش المنافس. وهناك نظرية التمدد خارج ما تحتمله خطوط الإمداد اللوجيستية للجيوش، التي بعدها يمكن محاصرة الجيش وتجويعه مما يوصله إلى الهزيمة. وهذه نظريات يعرفها من درسوا تاريخ الحروب. فأي منها ينطبق على سلوك نتنياهو في غزة؟ وهل المقاطعة الدبلوماسية لإسرائيل وإلغاء كثير من الصفقات التجارية ورفع قضايا ضدها أمام محكمة العدل الدولية يمكن وضعها ضمن التعريف الأوسع للهزيمة؟

السابع من أكتوبر (تشرين الأول) لم يكن هزيمة عسكرية لجيش نتنياهو الذي لا يقهر ومخابراته التي لا تنام فحسب، بل كان هزيمة سياسية واجتماعية لمشروع الفصل العنصري الذي تبنته إسرائيل من أجل إدارة الصراع مع الفلسطينيين لشراء الوقت من خلال اتفاقات تكتيكية كاتفاق أوسلو، الذي اشترى للإسرائيليين ربع قرن من السلام المؤقت. السابع من أكتوبر كان رسالة بأن فلسفة إدارة الصراع وشراء الوقت استراتيجية فاشلة ومصيرها الانهيار في أي وقت وبشكل مفاجئ وتكلفة عالية.

ولكي تتضح الصورة فلا بد من الإشارة إلى الطلاب اليهود الذين تم القبض عليهم في مظاهرات الجامعات الأميركية في نيويورك وبوسطن وكاليفورنيا وتكساس، هؤلاء الطلاب وفي الأمور الطبيعية كانوا يدخلون الجامعة، ثم في الصيف الثاني أو الثالث يذهبون إلى إسرائيل للتعرف على المشروع الاشتراكي الصهيوني ليزرعوا الأرض ويشاركوا في فعاليات الكيبوتسم، أي العمل في المستوطنات الزراعية، وفيها يستمعون إلى الفكرة الصهيونية عن أرض إسرائيل. هذا في الأوقات العادية، أما الآن فهؤلاء الطلاب أبناء اليهود الميسورين الذين يستطيعون تكلفة دفع مصاريف الجامعات الأميركية الخاصة وجامعات النخبة هم من يدينون حرب الإبادة في غزة، ويدينون مشروع الفصل العنصري الإسرائيلي، وبعضهم عائد من تجربة الكيبوتس ويلفظها أخلاقياً. وفي هذا السلوك هزيمة لمشروع الفصل العنصري بوصفه حلاً بديلاً لحل الدولتين. هذا إضافة إلى أن السابع من أكتوبر أدى إلى رحيل كثير من الأسر الإسرائيلية دون عودة إلى بلدان أخرى في العالم... فماذا يعني كل هذا؟

هذا يعني أن محاولة إسرائيل، وحزب الليكود خصوصاً، استبدال عمليات مرحلية من إدارة الصراع بحل الدولتين بوصفه حلاً نهائياً لشراء الوقت فشلت، وفشلت على محورين: المحور العسكري من خلال مفاجأة السابع من أكتوبر، والمحور الأخلاقي فيما يخص استدامة سياسة الفصل العنصري بوصفه حلاً لاستقرار الدولة والمجتمع في إسرائيل.

لم أكن أتخيل أن من كانوا بالأمس القريب يرون إسرائيل واحة للديمقراطية في الشرق الأوسط وسط بحر من الظلمات، يعقدون اليوم المقارنة بين إسرائيل وجيرانها العرب بشكل مختلف.

هذا التغير في الخطاب، والتغير في سلوك اليهود الداعمين لإسرائيل في الولايات المتحدة، هما تعريف لهزيمة مشروع الفصل العنصري بديلاً لحل الدولتين.

ومع مرور الوقت لم تتغير لغة الإعلام فقط، بل المتابع لأحاديث وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال رحلاته المختلفة لمنطقة الشرق الأوسط يدرك حجم الإحباط الذي تعانيه الإدارة الأميركية من سلوك نتنياهو ومجلس الحرب، وأن موقف المتشددين داخل حكومة نتنياهو يعطل التحرك الأميركي لوضع الشرق الأوسط ضمن استراتيجيته الكبرى تجاه كل من روسيا والصين. خطاب بلينكن اليوم يتحدث عن مسار يفضي إلى حل الدولتين، هذا إن أرادت إسرائيل التطبيع مع دول كبرى في المنطقة.

إن إدراك نتنياهو فشل مشروع الفصل العنصري وفلسفة إدارة الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بوصفه بديلاً لحل الدولتين، هو البداية لحديث جاد عن الأمن والسلم في الشرق الأوسط، ولكي نصل إلى هذه النقطة لا بد أن يعترف نتنياهو بهزيمته الاستراتيجية التي جعلت كثيرين داخل المجتمع الدولي يتعاطون مع إسرائيل بعد سبعة أشهر من الحرب على أنها دولة مارقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظرية الهزيمة إعادة التفكير في السابع من أكتوبر نظرية الهزيمة إعادة التفكير في السابع من أكتوبر



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:14 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
  مصر اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك
  مصر اليوم - الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 14:07 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"يوتيوب" يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي
  مصر اليوم - يوتيوب يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا

GMT 09:43 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كباب بالزعفران
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon