توقيت القاهرة المحلي 11:54:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل هناك قصة كبرى في الشرق الأوسط؟

  مصر اليوم -

هل هناك قصة كبرى في الشرق الأوسط

بقلم - مأمون فندي

المجتمعات الصغيرة وكذلك التجمعات الأكبر دائماً ما تربطها قصة كبرى أو سرد كبير (Master Narrative) وهو في الغالب مجموعة أفكار متماسكة تعطي المجتمع والإقليم وربما العالم سبباً للاستمرار والتقدم أو البقاء، وغالباً ما يكون السرد المهيمن دنيوياً يدفع إلى التقدم، أو على الأقل يعكس قصة كفاح الإنسان في التغلب على الطبيعة المحيطة. وفِي غياب السرد الدنيوي الذي يدفع بالمجتمعات إلى عالم الإنجازات والتقدم يلجأ الأفراد والمجتمعات إلى السرد الماورائي والغيبي، وأحياناً الشعوذة لتفسير ظواهر دنيوية تبدو غير مفهومة أو من الصعب التغلب عليها.

كانت القصة الكبرى في فترة ما بعد الاستعمار (الخمسينات والستينات من القرن الماضي) هي قصة الوحدة العربية، ودعم حركات التحرر في العالم الثالث. مع هزيمة المشروع الناصري، دخل الشرق الأوسط العربي والإسلامي في التفكير الماورائي، الذي أدى إلى ظهور الحركات الإسلامية السنية وإلى ثورة دينية شيعية في إيران. وساد هذا السرد في فترة التنافس الرأسمالي الشيوعي، وربما كان استمراره إلى استناده إلى هذين العكازين (الرأسمالية والشيوعية) ومع انهيار الشيوعية (العكاز) انهار معها السرد المهيمن للمشروع الإسلامي الذي كان يتوكأ عليه. دخل المشروع الإسلامي من قصة السرد المتماسك إلى حالة من التشظي، وأسلم السرد الإسلامي نفسه إلى الحركات الأصغر مثل الجهادات الصغيرة، كل جهاد صغير في بلده وإلى الحركات الجهادية العابرة للحدود مثل «القاعدة» ومن بعدها «داعش» إلى أنصار بيت المقدس إلى آخر القائمة. الفكرة أن حتى هذا المشروع فقد وهجه وانكفأ على داخله.
أما السرد شبه الدائم في المنطقة بذراعيه القبلي والطائفي، فيكاد يمر بما تمر به الهويات الصغيرة في سياقات مثل أفريقيا وأوروبا الشرقية، إذ بدأ في الانشطار إلى مستوياته الأدنى من ملل ونحل على المستوى الطائفي إلى أفخاذ وعائلات على المستوى القبلي.
النقطة الرئيسية هي غياب السرد المهيمن أو القصة الكبرى في حالة الشرق الأوسط. حتى قصة الربيع العربي أصبحت مجرد شباك انفتح في تاريخنا ثم تم إغلاقه.
كل ما نحن أمامه اليوم هي قصص تبدو إخبارية في طبيعتها ولكنها متفرقة، وكل من هو جزء من قصة صغيرة فيها يظنها مهيمنة مع أنها لا تحظى باهتمام خارج حدود أصحابها، ولذلك تفسيرات كثيرة ليس مجالها هنا.
لدينا حرب لاستعادة الشرعية والاستقرار في اليمن بما تحمل من تبعات، ولدينا كارثة إنسانية في سوريا، وكذلك قصة التدخلات الإيرانية في كليهما، كما أن لدينا قصة مصر بانسداداتها السياسية وقصص النجاحات المتقطعة فيها، كذلك هناك قصة التحول الاجتماعي والاقتصادي في السعودية، وقصة الأزمة الخليجية، ومن الصعب أن نطلق على أي منها لقب القصة الكبرى في الشرق الأوسط، فجميعها تفاصيل محلية داخل كل دولة دون تبعات إقليمية كبرى.
المشكلة الأخرى هي أنه لم يعد بإمكاننا الكتابة بموضوعية حسبما تعلمناه في مدارس العلوم السياسية بما يفيد الجميع، في ظل حساسيات جديدة تجعل من الكتابة كالمشي على الزجاج، وما تعلمناه على مدى أربعين عاماً يمكن أن يكون مفيداً، ولكن المنطقة أطلقت لنفسها العنان في الاحتفاء بالأفكار البسيطة والشعارات التي تشبه لوحات الإعلانات، فلم يعد هناك مكان لا للفكر الجاد أو التحليل الجاد.
لا أذكر فترة منذ بدأت الكتابة بالعربية اقتربت من موت الكتابة مثل الفترة الحالية، وليس موت الكتابة وحسب، وإنما انحسار مساحات الخيال الفكري الذي يؤدي إلى توليد الأفكار بعضها من بعض، ومع ذلك أنا لست متأكداً إن كانت تلك حالة عامة كما ألاحظ، أم أنها انعكاس لحالتي الشخصية، وأتمنى أن تكون الثانية، لذلك قد يحتاج الأمر إلى وقفة مع النفس قبل الانخراط في تلوين حقائق لا تقبل التلوين، أو هي خيانة لأربعين عاماً من التعليم الجاد. وللإجابة عن سؤال العنوان: هل هناك قصة كبرى في الشرق الأوسط فيما هو مكتوب أو موجود على أرض الواقع: الإجابة القصيرة هي «لا».


نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل هناك قصة كبرى في الشرق الأوسط هل هناك قصة كبرى في الشرق الأوسط



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon