توقيت القاهرة المحلي 02:08:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المونديال و«قصر الأحلام»

  مصر اليوم -

المونديال و«قصر الأحلام»

بقلم - مأمون فندي

كنت أتمنى أن يكون بيننا الأستاذ فؤاد عجمي، أستاذ السياسة في جامعة جونز هوبكنز الذي أصبح ملء السمع والبصر في التلفزيون الأميركي مع حرب الخليج 1990 وما بعدها من تدخل أميركي في العراق.. كنت أتمنى أن أرى ماذا سيكتب عن مونديال قطر أو سمه مونديال العرب كممارسة يومية. فالمونديال الرسمي قطري، ولكن ما رأيناه من ممارسات يومية بين جمهور المونديال من مشاعر وهتافات وبكاء وأهازيج وأغنيات خلق واقعاً يومياً جعله مونديال العرب بامتياز. كتب فؤاد عجمي (رحمه الله) كتابين في رثاء فكرة العروبة بوصفها آيديولوجيا وثقافة معاً؛ أولهما كتاب «نهاية العروبة» الذي بدأ مقالاً في مجلة «فورين أفيرز» الأميركية، وكتابه الثاني المعنون «قصر أحلام العرب». وفي كلا الكتابين كان فؤاد عجمي يشير بنظرة استشراقية مأساوية يملأها التشفي في نهاية العروبة ونهاية أحلام العرب.
كانت واشنطن ونيويورك خصوصاً تحتفيان بكل من لديه كلمة يقولها في نعي العروبة، خصوصاً في مجلات النخبة التي يسيطر عليها الصهاينة الجدد أو المحافظون الجدد بعنوان مخفف. وكان فؤاد عجمي ذو الأسلوب الساحر في العرب بمثابة حاوٍ في هذا السيرك. ويجب ألا أُفهم خطأ فقد كان فؤاد صديقاً لي في نهاية حياته ولكني قادر على أن أرى مأساة أصدقائي حتى عندما يصرون على المشي قدماً في غيهم.
نهاية العروبة كان لها ما يبررها في كتابات عجمي من أحداث سيئة في تاريخ العرب المعاصر، فقد كانت هناك هزيمة 1967 ثم الحرب الأهلية اللبنانية ثم غزو العراق للكويت؛ أحداث كلها تؤدي إلى حالة شديدة من الإحباط واليأس والقنوط لكنها لا تبرر تلك الصورة السوداوية التي رسمها فؤاد عجمي في كتبه والتي كانت موضوعاتها مدفوعة بنرجسية راغبة باستمرار في أن يحتفل به في نيويورك أو تفتح له أبواب البيت الأبيض.
الحديث عن فؤاد عجمي وغيره ممن نصبوا للعروبة مأتماً يطول، ولكن العروبة لا تصنعها السرديات الكبرى رغم أنها أصبحت واحدة منها فيما بعد ولكن تصنعها المشاعر والأحاسيس والممارسات اليومية مثلما حدث في القاهرة والرباط والدوحة والرياض وبيروت يوم فاز المنتخب السعودي على منتخب الأرجنتين. كانت مشاعر حقيقية من المقصورة الأميرية في الاستاد حيث أمير قطر وأسرته ذات البساطة الأخاذة إلى مشجعي الأخضر إلى جمهور الاستاد وجماهير الشوارع، بأعلام المملكة وشارات خضراء.. حدث لم نره من قبل، أن يحمل العرب كلهم تقريباً ألوان المنتخب السعودي.
رأينا الشيء ذاته يوم تأهل المنتخب المغربي لدور الستة عشر، أيضاً كان العرب في هذا اليوم كلهم مغاربة، يتغنون بفريق المغرب وأصبح أشرف حكيمي وزياش اسمين متداولين على كل الألسنة، رأينا العرب وعلى غير عاداتهم يحتفلون بوجوههم العادية ويتعرفون عليها في وجه والدة أشرف حكيمي، تلك السيدة المكافحة وهي في حضن ابنها النجم الذي يذهب إليها ويرفعها عن الأرض ويقبل جبهتها، عرب من دون مساحيق، بدأنا نتعرف على إنسانيتنا كما خلقنا وكما أراد الله لنا.
وكانت غنوة العروبة وأنشودتها تصدح يوم فوز المنتخب التونسي على فرنسا بما يحمله هذا الفوز من دلالات تخص المستعمر (بكسر الميم) والمستعمر (بفتحها). تملأ الفرحة الشوارع من المغرب إلى عمان.. فرحة نصر تونسي منشود.
كل هذه الرمزيات التي رأيناها في المونديال وحوله، كلها تشير - ولا يكون عندك أدنى شك - إلى أن العروبة لم تنتهِ وأن رثاء عجمي وأمثاله للعروبة أمر سابق لأوانه. فالعروبة قد تنتكس وقد تنحسر ولكنها لا تموت. العروبة هي أدرينالين. أحسنت قطر وأحسن الشيخ تميم في المساهمة في إنتاج لون بهي من العروبة المشاعرية التي تصنعها أصوات وألحان وأقدام المشجعين العرب الذين يمشون في شوارع الدوحة، والذين يتابعونهم من خارج قطر ولكن قلوبهم معهم.
العروبة بوصفها ثقافة لا تموت، تبقي دوماً هي الماء الذي نسبح فيه، ونبدو عربا كالأسماك، نموت إذا خرجنا من هذا الماء الذي نسميه العروبة.
العروبة ليست وهماً أو قصوراً من أحلام بنيت على رمال الصحراء كتلك القلاع التي يبنيها الأطفال على رمال الشواطئ وينسفها المد في لحظة، العروبة حقيقة ثابتة وموجودة وستبقى دوماً شامخة ومتجددة ما دام هناك شاب عربي يتنفس.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المونديال و«قصر الأحلام» المونديال و«قصر الأحلام»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:14 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
  مصر اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك
  مصر اليوم - الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 14:07 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"يوتيوب" يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي
  مصر اليوم - يوتيوب يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا

GMT 09:43 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كباب بالزعفران
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon