بقلم - مأمون فندي
عندما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تطوير الصاروخ النووي الذي يتفادى أنظمة الدفاع الصاروخية الأميركية، فهو بهذا يعلن توازنَ قوى عالمياً جديداً له دوافعه التي يحب فهمها. كما أن تبعات عالمية وإقليمية تحتاج إلى تأمل عميق يليق بهذا الإعلان، ومع ذلك لو حقّقنا في الدوافع وفِي شخصية بوتين فلربما نحن أمام خدعة استراتيجية كبرى.
لا أشكك في قدرة روسيا على تطوير صارخ نووي عظيم تتجاوز قدراته عشرات المرات قدرة الصواريخ الأميركية «تامهوك» التي شهدنا عرضاً مرئياً لها في الهجوم على صدام حسين عام 2003. ولكن رغم هذا فإن المتابع لشخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ أن كان المقدم (lieutenant Colonel) بوتين الذي كان يدير محطة المخابرات الروسية (كي جي بي) في ألمانيا الشرقية لا يستغرب قدرة الرجل على المراوغة. كان بوتين في نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 نائباً لمدير محطة «كي جي بي» في برلين، وكان رئيس «كي جي بي» المباشر في موسكو يوم سقوط جدار برلين وتزاحمت المظاهرات الغاضبة أمام مبنى المخابرات الروسية في برلين، وهرب كثير من العاملين وبَقي المقدم بوتين في الداخل يحرق أوراق المخابرات السرية بالفرن، ولما انتهى من حرق معظم الأوراق خرج على المتظاهرين قائلاً لهم إن بداخل المبنى حراساً مسلحين لأقصى درجة ولديهم أوامر بإطلاق النار على من يقتحم المبنى، وأن عدد القتلى سيكون خرافياً، فقرر المتظاهرون الانصراف، رغم أنه لم يكن بالداخل حراس كما وصفهم، فقد هرب الجميع، ولكن بوتين لم يظهر خوفه بل واجه الخطر الداهم بالخداع الاستراتيجي، وبهذا نجا بوتين من مصير محتوم كان على وشك أن يقع له في السفارة الروسية. عقل بوتين مسكون بهذه التجربة ويرى في أي مظاهرات سواء في موسكو أو في سوريا خطراً عليه، لذلك انحاز دائماً إلى الثورة المضادة في الربيع العربي مثلاً، ولذلك كان موقفه المتشدد في أوكرانيا. بوتين يخاف مصير أي ديكتاتور، ولذلك يلجأ إلى كل السبل التي يستعرض به القوة لنفسه ولروسيا في مواجهة الأخطار القائمة والمحتملة. فهل صاروخ بوتين حقيقي أم هو ضمن خطة الخداع الاستراتيجي؟
بالطبع لم نرَ سوى عرض الفيديو ضمن ما يشبه خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه بوتين أمام النواب والنخب الروسية الاقتصادية والسياسية، ولكن أهمية هذا الفيديو وهذا الخطاب هو أنه يأتي في سياق تفوق ملحوظ للصين على الولايات المتحدة الأميركية اقتصادياً، مما يعجل بنهاية العالم أحادي القطبية أو يجعله مكوناً من قطب واحد ولكنه الصين وليس أميركا هذه المرة. في ظل تحالف شرقي بين الصين وروسيا مضافاً إليهما الموقف المتهور لكوريا الشمالية فإن خطاب بوتين يزيد من زعزعة الثقة العسكرية الأميركية التي كانت دوماً تعتمد على تفوقها التكنولوجي والعسكري. ومن هنا تكون تبعات تحدي بوتين حتى لو كان خداعاً له تبعات كبرى عالمية كما أن له تبعات إقليمية في منطقتنا.
صاروخ بوتين بالتأكيد سيجعل الإسرائيليين يعيدون التفكير فيما يعرف بالقبة الحديدية، وخصوصاً بعد إسقاط الصاروخ السوري لطائرة إسرائيلية حديثة، سيفكر الإسرائيليون كثيراً في الصواريخ الروسية الجديدة. وطبيعتها.
صاروخ بوتين أيضاً سيعزز الموقف الروسي في سوريا، ويجعل التوازن الدولي في المفاوضات يرجح الكفة الروسية، هذا إن كان الصاروخ حقيقة، وإن كان خدعة استراتيجية فنحن أيضاً أمام عالم جديد أساسه الخداع، أو عالم ما بعد الحقيقة كما سماه الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي هو - في نظر بوتين - مجرد بوريس يلتسين أميركي. يلتسين الذي سلم السلطة لبوتين طواعية وأعطانا هذه القيادة الروسية التي قد تظل معنا لفترات طويلة.
صاروخ بوتين ليس النهاية، فكلما أحس بوتين بخطر يشبه خطر المتظاهرين في برلين نجده يبحث عن وسيلة جديدة أساسها الرجل الخائف وليس الرجل القوي!
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه