توقيت القاهرة المحلي 15:38:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

في كل مكان إلا هنا

  مصر اليوم -

في كل مكان إلا هنا

بقلم :مأمون فندي

لا شك أن العالم العربي يحتاج إلى إصلاح في السياسة والاقتصاد والثقافة، ولا شك أن في العالم العربي عقولاً قادرة على تقديم وصفة ناجعة للإصلاح، ولكن المشكلة أن عقولنا لا تناقش ما تعرفه وحميمي لديها، فعيوننا متعلقة بعورات غيرنا ومشكلاتهم، وفي هذا استعواض عن مناقشة مشكلاتنا ومواجهتها، وفي هذا أيضاً راحة لضمائرنا وإرضاء لغرورنا، نحلل ونقيّم السياسة والاقتصاد والثقافة في كل البلدان إلا بلداننا، ننشد الإصلاح في كل مكان إلا هنا.
في هذا إهدار لطاقة العقل من ناحية وترويج لنصف المعرفة من ناحية أخرى. فالمصري مثلاً مشغول بمشكلات الإصلاح في تركيا، والقطري مشغول بمصر، والجزائري مشغول بالمغرب يعلق ويكتب ويحلل وبالطبع لا يعرف الحقائق كلها وعليه يروّج لأنصاف حقائق، ويصل إلى نتائج لا تفيد أي طرف من الأطراف. فلماذا تنصرف عقولنا لتحليل أحوال غيرنا ونترك حالنا؟ الأنظمة المغلقة تنتج عقولاً مغلقة. فقط منفتحة على الآخر بدافع التشفي لا بدافع التواصل والمعرفة، ولترويج أنصاف الحقائق، وبذلك نخلق حالة من التشويش، ضوضاء بيضاء تمنحنا إحساساً بالمعرفة ولكنها لا تعدو كونها ضوضاء. ولكن يبقى السؤال: لماذا نشغل أنفسنا بأمور غيرنا ونترك حاجاتنا الملحّة؟ هناك شيء أقرب إلى عالم السينما منه إلى عالم الواقع وهي فكرة الـ(cathartic effect) وهي أنك تشاهد مشهداً فتجهش بالبكاء لأنه يمثل المعادل الموضوعي لحياتك، ولكنه من دون التكلفة الحقيقية في الحياة، شيء في عالم الخيال، شيء أقرب إلى الألعاب الإلكترونية في «البلاي ستيشن» تحس فيه بنشوة الانتصار والبطولة التي تنتهي بنهاية اللعبة، دونما تكلفة أو دماء تسيل، وهكذا العالم الافتراضي في الكتابة أيضاً من «فيسبوك» و«تويتر» وغيرهما. إحساس عظيم بعد كتابة البوست أو التويتة عن البعيد المغاير، شعور كاذب.
في أي مكان إلا هنا، هذا هو العقل النقدي في الأنظمة المغلقة يتدرب على النقد في الأماكن الآمنة، نقد بلا تكلفة أو قليل التكلفة.
ومع ذلك لو كانت هناك معرفة حقيقية، وليس نصف المعرفة، لكان تعدد النقد قادراً على إعطاء صورة كلية واضحة، فتعرف عن مصر من قطر أو تتعرف من قطر على مصر، ولكنّ عقلية التشفي لا تسمح بالمعرفة بل بالتشاتم والتكاذب.
في أي مكان إلا هنا، أصبحت سمة من سمات العقل العربي، وليس في هذا إزعاج، ولكن الإزعاج يأتي من الاقتناع بأن يلبس التكاذب ثوب المعرفة، فالعقل مثل الكومبيوتر يحلل ما لديه من معلومات (data) موجودة في ملفات التخزين، ولكن إذا كانت المعلومات ملوثة ومشوهة فأي تحليل سيأتي بنفس التلوث كنتيجة. تمرير هذا التلوث على أنه تحليل أو معلومات يأخذنا إلى الضلال لا إلى جادة الصواب.
في أي مكان إلا هنا، يضاعف من المشكلات ويعقّدها ولا يسهم في حلها. نحن مشتركون جميعاً في مؤامرة تمرير أنصاف الحقائق على أنها حقائق، متآمرون في عولمة الجهل والتجهيل. ولو كان هذا على المدى القصير لحُلّت المشكلة، ولكننا عندما نتحدث عن المدى البعيد فسنجد أنفسنا غارقين في متاهة من المعلومات الخاطئة والحلول الخاطئة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في كل مكان إلا هنا في كل مكان إلا هنا



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 11:41 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ميتسوبيشي تعلن طرح "إي إس إكس" 2020 أيلول المقبل

GMT 07:09 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

معرض بريطاني فوتغرافي للهاربين من نار النازية

GMT 23:36 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

بورصة تونس تقفل على ارتفاع بنسبة 41ر0 %

GMT 03:43 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

رنا سماحة تستعد لطرح أحدث أغانيها "مكسورة"

GMT 22:32 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

المخرج كريم اسماعيل يوقع عقد إخراج فيلم "الشاطر"

GMT 22:29 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ابنة هيفا وهبي وحفيدتها يشعلان مواقع التواصل بمقطع فيديو
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon