توقيت القاهرة المحلي 15:41:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليس بالحوار وحده...

  مصر اليوم -

ليس بالحوار وحده

بقلم - مأمون فندي

تطرح فكرة الحوار الوطني في الجزائر وتونس ومصر حلاً لأزمات الدول في الشمال الأفريقي، لكن ليس بالحوار وحده تحل الأزمات في الدول النامية ما لم يتم التعامل بجدية مع الأزمات الخمس الكلاسيكية من أزمات الدول النامية، وهذه الأزمات لا تنسحب فقط على الشمال الأفريقي، بل أجزاء كثيرة منها تراها واضحة للعيان في معظم بلدان العالم العربي مثل العراق وسوريا ولبنان، وبعض دول الخليج أيضاً. هذا المقال هو تذكير بأزمات التطور السياسي والانتقال من الدولة التقليدية إلى الدولة الحديثة، وما يصاحب هذه الأزمات الخمس من تبعات تؤثر على الميكنة السياسية لهذه الدول. الحوار حول هذه الأزمات الرئيسية ضروري جداً ولكنه ليس حلاً.
أولى أزمات التطور السياسي والانتقال من حالة الدولة التقليدية إلى الدولة الحديثة، هي أزمة الهوية، خصوصاً في المجتمعات متعددة الطوائف والأعراق والديانات، وربما اللغات واللهجات، وأحياناً خصوصيات جهوية تكون نذير حالات انفصالية، كما شهدنا حديثاً في حالة السودان، عندما وصلت أزمة الهوية الوطنية إلى انقسام السودان إلى جمهوريتين، واحدة شمالية وأخرى جنوبية. وحالة السودان ليست بعيدة كثيراً عن حالة العراق على المنحنى البياني لأزمة الهوية، وكان في السودان حوار وطني غير جاد لم يأخذ في الاعتبار طلبات الطرف الجنوبي بشكل جاد، وربما عدم جدية الحوار التي أوصلت السودان إلى سودانين، وتبقى دارفور أيضاً مشكلة داخل الدولة الشمالية، إنْ لم تعالج بجدية، ويستفاد فيها من نتائج الحوار غير الجاد فقد تذهب مذهب دولة الجنوب. ما أود أن أشير إليه هنا هو أن أزمة الهوية الوطنية قد تكون كارثة على الدول النامية، والسودان والعراق، وربما يمكن إضافة لبنان هنا، ومعالجتها بجدية وليس بمجرد حوار سطحي قد يكلف هذه الدول الكثير.
أما الأزمة الثانية التي لا تقل في خطورتها عن أزمة الهوية، فهي أزمة الشرعية. وشرعية نظام الحكم في البلدان الديمقراطية الحديثة هي حالة من القبول والرضا بين الحاكم والمحكوم، أو بين أغلبية السكان داخل الدولة ونظام الحكم المنوط به إدارة الموارد وتوزيعها.
الدول النامية الطامحة إلى الولوج في عالم الدول الحديثة تحتاج أن تتجاوز الشرعيات التقليدية إلى شرعية حديثة أساسها المواطنة وعقد اجتماعي ينظم علاقة الحاكم بالمحكوم في سياق أساسه القبول والرضا. مشكلة الشرخ في الشرعية أو العجز في حالة القبول والرضا تحلها الدول النامية بدرجات مختلفة من الجبر، أو درجات متفاوتة من القمع والعنف. وتصنف الدول التي تلجأ إلى تعويض عجز الشرعية باستخدام العنف في علم السياسة بالدول الضعيفة. وأزمة الشرعية لأي نظام حاكم لا تحل إلا بحل الأزمة الثالثة من أزمات هذا النوع من الأنظمة، وهي أزمة المشاركة السياسية. وهذه أزمة لا تحل بالحوار، بل بتوسيع دائرة المشاركة لتشمل الفئات المتضررة تجنباً لحدوث عنف أو اضطرابات تعصف بالاستقرار النسبي لهذه الدول.
أما الأزمة الثالثة فهي أزمة المشاركة السياسية. في الدول الحديثة يشارك المواطنون في الحكم من خلال صندوق الاقتراع، وهو صندوق يحظى بثقة هذا المواطن. والمشاركة أنواع متعددة ليست فقط الصندوق، فهي من وجهة نظر علماء السياسة الذين يعرفون قليلاً عن الأنثربولوجيا، أي وسيلة تنتج حالة الرضا داخل المجتمع من خلال إنتاج حالة يحس فيها المواطن بأن له سهماً في هذه الشركة المسماة الوطن. وهذه أيضاً أزمة سياسية لا يحلها الحوار بقدر ما يحلها توسيع مساحات المشاركة السياسية وإنتاج إحساس بالشراكة الوطنية داخل الإقليم الذي تدعي الحكومة أنه تحت سيادتها.
وسأحاول أن أختصر في تلخيص الأزمتين الأخيرتين، وهما أزمة توزيع الثروة والمنافع داخل أرض النظام الحاكم، وأزمة وجود النظام متغلغلاً ومحسوساً داخل الأراضي التي يدعي حكمها. وهي أزمات حقيقية ولا يحلها الحوار بل العمل الجاد من أجل إصلاح الخلل داخلها.
فمثلاً في أزمة التوزيع، التي لا تعني التوزيع العادل للثروة، كما تتداولها الكليشهات الصحافية في منطقتنا، لا بد من وجود مؤسسات قوية تسمح بتوزيع القيمة في المجتمع، فأحياناً تكون لدى الحاكم الرغبة ولكن ليست لديه المؤسسات التي تحقق هذه الرغبات. أما أزمة تغلغل الدولة في كل أراضيها وإعطاء الإحساس بوجودها، فهي من نوع الأزمات التي أوصلت بلداً كالسودان إلى حالة الانفصال، فلا الجيش كان يحكم كل الأراضي، ولا البوليس كان موجوداً، ولا الدولة كانت قادرة على جباية الضرائب. وليس كل العالم العربي كالسودان، أي كبلد مثل لبنان الذي تفاعلت فيه كل الأزمات الخمس سالفة الذكر، فأوصلته إلى الحرب الأهلية، ولكن إذا كان لبنان والسودان حالتين متطرفتين، فمعظم بلداننا تبتعد وتقترب من المثالين بدرجات مختلفة، وتتجلى فيها الأزمات الخمس بدرجات متفاوتة، وكلها أزمات سياسية لا تحل بالحوار، بل بالعمل الجاد القادر على ترميم الشرعية وتوسيع دائرة المشاركة، ووجود مؤسسات قادرة على التغلغل وإنتاج حالة رضا من خلال وجوده وقدرته على اشتمال كل أبناء الوطن داخل إطار سياسي جامع ومشروع... وللحديث بقية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس بالحوار وحده ليس بالحوار وحده



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية
  مصر اليوم - ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon