توقيت القاهرة المحلي 11:51:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليس بالحوار وحده...

  مصر اليوم -

ليس بالحوار وحده

بقلم - مأمون فندي

تطرح فكرة الحوار الوطني في الجزائر وتونس ومصر حلاً لأزمات الدول في الشمال الأفريقي، لكن ليس بالحوار وحده تحل الأزمات في الدول النامية ما لم يتم التعامل بجدية مع الأزمات الخمس الكلاسيكية من أزمات الدول النامية، وهذه الأزمات لا تنسحب فقط على الشمال الأفريقي، بل أجزاء كثيرة منها تراها واضحة للعيان في معظم بلدان العالم العربي مثل العراق وسوريا ولبنان، وبعض دول الخليج أيضاً. هذا المقال هو تذكير بأزمات التطور السياسي والانتقال من الدولة التقليدية إلى الدولة الحديثة، وما يصاحب هذه الأزمات الخمس من تبعات تؤثر على الميكنة السياسية لهذه الدول. الحوار حول هذه الأزمات الرئيسية ضروري جداً ولكنه ليس حلاً.
أولى أزمات التطور السياسي والانتقال من حالة الدولة التقليدية إلى الدولة الحديثة، هي أزمة الهوية، خصوصاً في المجتمعات متعددة الطوائف والأعراق والديانات، وربما اللغات واللهجات، وأحياناً خصوصيات جهوية تكون نذير حالات انفصالية، كما شهدنا حديثاً في حالة السودان، عندما وصلت أزمة الهوية الوطنية إلى انقسام السودان إلى جمهوريتين، واحدة شمالية وأخرى جنوبية. وحالة السودان ليست بعيدة كثيراً عن حالة العراق على المنحنى البياني لأزمة الهوية، وكان في السودان حوار وطني غير جاد لم يأخذ في الاعتبار طلبات الطرف الجنوبي بشكل جاد، وربما عدم جدية الحوار التي أوصلت السودان إلى سودانين، وتبقى دارفور أيضاً مشكلة داخل الدولة الشمالية، إنْ لم تعالج بجدية، ويستفاد فيها من نتائج الحوار غير الجاد فقد تذهب مذهب دولة الجنوب. ما أود أن أشير إليه هنا هو أن أزمة الهوية الوطنية قد تكون كارثة على الدول النامية، والسودان والعراق، وربما يمكن إضافة لبنان هنا، ومعالجتها بجدية وليس بمجرد حوار سطحي قد يكلف هذه الدول الكثير.
أما الأزمة الثانية التي لا تقل في خطورتها عن أزمة الهوية، فهي أزمة الشرعية. وشرعية نظام الحكم في البلدان الديمقراطية الحديثة هي حالة من القبول والرضا بين الحاكم والمحكوم، أو بين أغلبية السكان داخل الدولة ونظام الحكم المنوط به إدارة الموارد وتوزيعها.
الدول النامية الطامحة إلى الولوج في عالم الدول الحديثة تحتاج أن تتجاوز الشرعيات التقليدية إلى شرعية حديثة أساسها المواطنة وعقد اجتماعي ينظم علاقة الحاكم بالمحكوم في سياق أساسه القبول والرضا. مشكلة الشرخ في الشرعية أو العجز في حالة القبول والرضا تحلها الدول النامية بدرجات مختلفة من الجبر، أو درجات متفاوتة من القمع والعنف. وتصنف الدول التي تلجأ إلى تعويض عجز الشرعية باستخدام العنف في علم السياسة بالدول الضعيفة. وأزمة الشرعية لأي نظام حاكم لا تحل إلا بحل الأزمة الثالثة من أزمات هذا النوع من الأنظمة، وهي أزمة المشاركة السياسية. وهذه أزمة لا تحل بالحوار، بل بتوسيع دائرة المشاركة لتشمل الفئات المتضررة تجنباً لحدوث عنف أو اضطرابات تعصف بالاستقرار النسبي لهذه الدول.
أما الأزمة الثالثة فهي أزمة المشاركة السياسية. في الدول الحديثة يشارك المواطنون في الحكم من خلال صندوق الاقتراع، وهو صندوق يحظى بثقة هذا المواطن. والمشاركة أنواع متعددة ليست فقط الصندوق، فهي من وجهة نظر علماء السياسة الذين يعرفون قليلاً عن الأنثربولوجيا، أي وسيلة تنتج حالة الرضا داخل المجتمع من خلال إنتاج حالة يحس فيها المواطن بأن له سهماً في هذه الشركة المسماة الوطن. وهذه أيضاً أزمة سياسية لا يحلها الحوار بقدر ما يحلها توسيع مساحات المشاركة السياسية وإنتاج إحساس بالشراكة الوطنية داخل الإقليم الذي تدعي الحكومة أنه تحت سيادتها.
وسأحاول أن أختصر في تلخيص الأزمتين الأخيرتين، وهما أزمة توزيع الثروة والمنافع داخل أرض النظام الحاكم، وأزمة وجود النظام متغلغلاً ومحسوساً داخل الأراضي التي يدعي حكمها. وهي أزمات حقيقية ولا يحلها الحوار بل العمل الجاد من أجل إصلاح الخلل داخلها.
فمثلاً في أزمة التوزيع، التي لا تعني التوزيع العادل للثروة، كما تتداولها الكليشهات الصحافية في منطقتنا، لا بد من وجود مؤسسات قوية تسمح بتوزيع القيمة في المجتمع، فأحياناً تكون لدى الحاكم الرغبة ولكن ليست لديه المؤسسات التي تحقق هذه الرغبات. أما أزمة تغلغل الدولة في كل أراضيها وإعطاء الإحساس بوجودها، فهي من نوع الأزمات التي أوصلت بلداً كالسودان إلى حالة الانفصال، فلا الجيش كان يحكم كل الأراضي، ولا البوليس كان موجوداً، ولا الدولة كانت قادرة على جباية الضرائب. وليس كل العالم العربي كالسودان، أي كبلد مثل لبنان الذي تفاعلت فيه كل الأزمات الخمس سالفة الذكر، فأوصلته إلى الحرب الأهلية، ولكن إذا كان لبنان والسودان حالتين متطرفتين، فمعظم بلداننا تبتعد وتقترب من المثالين بدرجات مختلفة، وتتجلى فيها الأزمات الخمس بدرجات متفاوتة، وكلها أزمات سياسية لا تحل بالحوار، بل بالعمل الجاد القادر على ترميم الشرعية وتوسيع دائرة المشاركة، ووجود مؤسسات قادرة على التغلغل وإنتاج حالة رضا من خلال وجوده وقدرته على اشتمال كل أبناء الوطن داخل إطار سياسي جامع ومشروع... وللحديث بقية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس بالحوار وحده ليس بالحوار وحده



GMT 08:29 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

الإجابة عِلم

GMT 08:25 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

العرق الإخواني دساس!!

GMT 08:16 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

وزراء فى حضرة الشيخ

GMT 08:05 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

نجاة «نمرة 2 يكسب أحيانًا»!!

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:47 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

أشرف عبد الباقي يكشف أسباب ابتعاده عن السينما
  مصر اليوم - أشرف عبد الباقي يكشف أسباب ابتعاده عن السينما

GMT 05:22 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

حجب منصة “إكس” في البرازيل للمرة الثانية
  مصر اليوم - حجب منصة “إكس” في البرازيل للمرة الثانية

GMT 09:51 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

أنواع مختلفة من الفساتين لحفلات الزفاف

GMT 06:29 2015 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

قضية فرخندة مالك زادة تفضح ظلم القضاء الأفغاني للمرأة

GMT 19:55 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة الفنانة فاتن الحناوي بسبب إصابتها بفشل كلوي

GMT 03:38 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

وزارة التخطيط تؤكد أن 5000 فدان في الفرافرة جاهزين للزراعة

GMT 22:33 2016 الجمعة ,18 آذار/ مارس

طريقة عمل البوظة السورية

GMT 09:56 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

توقيع رواية "ودارت الأيام" في بيت السناري

GMT 12:56 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

Snapchat سيتيح للمستخدمين قريبا تغيير "اسم المستخدم" الخاص بهم

GMT 06:41 2021 السبت ,19 حزيران / يونيو

الأرجنتين يتخطى عقبة أوروجواي بهدف نظيف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon