توقيت القاهرة المحلي 09:25:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رحيل تسلل بهدوء

  مصر اليوم -

رحيل تسلل بهدوء

بقلم: مأمون فندي

النعي أمرٌ غير محبب لنفسي، ونادراً ما أكتب عن الرحيل، لكن هناك أناساً لا تستطيع أن تتجاهل رحيلهم؛ لأنَّهم يتركون فجوة في النسيج الأخلاقي للدنيا، ومنصور خالد من هؤلاء، شأنه في ذلك شأن سوداني آخر سبقه إلى العالم الآخر وهو الطيب صالح، ولا أدري لماذا أراهما توأماً لكل ما هو جميل في أهل السودان.
آخر لقاء جمعني بالدكتور منصور خالد كان في كرم ضيافة المغربي النبيل محمد بن عيسى في منتدى أصيلة السنوي، جلسنا على الغذاء بالصدفة، منصور خالد واثنان من مساعديه الشباب، كنت جالساً وحدي لأنني في مثل هذه المؤتمرات أفضّل الوحدة، وهلّ عليّ منصور خالد، وقال بلهجته السودانية العذبة «أنا جاي أتغدى معك»، كنت أتمنى لو جاء إلي، وظننت أنه مركز اهتمام آخرين، وكان في عمر متقدم، لكنه يقف منصوباً كشجر نخيل الوادي بابتسامة صافية، فلم أقم للسلام عليه وحتى لا أرهقه جسدياً ومشاعرياً، لكنه جاء إليّ وكان هذا كرماً منه وحظاً عظيماً لي.
رغم ابتسامته الرقيقة وبساطته فإن منصور خالد كان صارماً وعلمياً في حديثه. قال لي إنه شديد التكرار في زيارة القاهرة هذه الأيام، وربما قال إن له بيتاً في القاهرة، هذه نقطة ليست واضحة في ذهني. وكان في حديثه عن علاقة القاهرة بالسودان مشوب بالحزن على ما آلت إليه الأمور بين بلدينا، أو قل شطري بلدنا الواحد.
رؤية منصور خالد لعلاقة مصر بالسودان كانت أقرب إلى رؤيته لعلاقة جنوب السودان بشماله، وكانت رؤيته ثاقبة عن ما انحاز إلى أهل جنوب السودان بقيادة جون قرنق على حساب الشمال، رغم ما تقلده من مناصب في حكومة جعفر النميري، إذ كان وزيراً للخارجية ومساعداً لرئيس الجمهورية، وللمناصب بريق لمن يعانون من خواء داخلي، لكن منصور كان ممتلئاً أخلاقياً، كان رجلاً حقوقياً بحكم التدريب والمهنة، وكان مع الحق موقفاً.
امتزجت في منصور خالد قيم العدل من منظور ماركسي مع صوفية موروثة، وصفاء نفسي، وأنتجت تلك الخلطة نبلاً قلَّما تجده إلا في أشخاص صُنعوا من النسيج ذاته الذي صُنع منه منصور خالد.
كان النسيج هو ما يجمعنا في كثير من أحاديثنا، فمنصور المولود في أم درمان يعرف أهلي من النقادية الذين جعلوا من أم درمان وطناً لهم، كانوا يشتهرون بصناعة النسيج في نقادة في جنوب مصر، وهاجر معظمهم إلى أم درمان وبقوا فيها لتستمر تجارة النسيج بين البلدين، وكأنها استعارة بلاغية للتعبير عن جوهر علاقة شطري الوادي في السودان ومصر.
أول مرة تعرفت على منصور خالد كانت في واشنطن، ثم التقيته في لندن، وتكررت هذه اللقاءات إلى آخر لقاء جمعنا بالمغرب، الغداء الأخير، كان يومها مشرقاً وكان لقاء وداع بكل معانيه. فكان حديثه لي يومها مليئاً بالرسائل التي تشبه الوصايا، وكأنه كان يحمّلني شعلة رسالته ربما لأحملها إلى سوداني آخر كما منصور أو توسم في خيراً.
كان خالد ورفيق دربه الطيب صالح يمثلان في رأسي دوماً صورة لأجمل وأنقى ما في أهل السودان من صفاء السريرة، والترفع عن كل ما هو دون كرامتهم.
رحم الله منصور خالد، كان روحاً نبيلة، جاء خفيفاً، وذهب خفيفاً، وتلك هي الأرواح التي تصنع منها الأعمدة الأساسية في هذا البناء الكوني البديع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحيل تسلل بهدوء رحيل تسلل بهدوء



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 05:22 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

حجب منصة “إكس” في البرازيل للمرة الثانية
  مصر اليوم - حجب منصة “إكس” في البرازيل للمرة الثانية

GMT 09:51 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

أنواع مختلفة من الفساتين لحفلات الزفاف

GMT 06:29 2015 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

قضية فرخندة مالك زادة تفضح ظلم القضاء الأفغاني للمرأة

GMT 19:55 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة الفنانة فاتن الحناوي بسبب إصابتها بفشل كلوي

GMT 03:38 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

وزارة التخطيط تؤكد أن 5000 فدان في الفرافرة جاهزين للزراعة

GMT 22:33 2016 الجمعة ,18 آذار/ مارس

طريقة عمل البوظة السورية

GMT 09:56 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

توقيع رواية "ودارت الأيام" في بيت السناري

GMT 12:56 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

Snapchat سيتيح للمستخدمين قريبا تغيير "اسم المستخدم" الخاص بهم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon