توقيت القاهرة المحلي 10:53:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لماذا نجحت حملة راشفورد؟

  مصر اليوم -

لماذا نجحت حملة راشفورد

بقلم: مأمون فندي

أحرج لاعب فريق مانشستر يونايتد، ماركوس راشفورد (22 عاماً)، الحكومة البريطانية التي توقفت عن دفع ثمن وجبة غذاء الأطفال الفقراء هذا الصيف، وذلك عندما قام بحملة ضد سياسة حكومة بوريس جونسون، وجعلها تستدير 180 درجة، وتقر مبلغ 120 مليون جنيه إسترليني لوجبات الأطفال الفقراء في الصيف. ولم تكن تلك الحملة الأولى التي يقودها راشفورد، والتي تدل على ضمير حي، فقد شارك بماله في دعم الأطفال الفقراء أكثر من مرة من قبل، وبنى مؤسسة خيرية لدعم الأطفال المحتاجين، وتعلم لغة الإشارة لدعم الأقل حظاً. السؤال الذي يهمنا هو: لماذا نجحت حملة راشفورد في تغيير سياسة الحكومة؟ كيف أجبر شاب في أوائل العشرينات من العمر الحكومة البريطانية والبرلمان على التراجع؟ وما العوامل التي أدت إلى نجاحه؟ وهل لو كان راشفورد عندنا، كان سيكتب لحملته النجاح؟ أطرح هذه الأسئلة حتى لا نغرق في الظن أن النجاح كله يحصل لشخص راشفورد وحده، رغم أهمية المبادرة الفردية. هناك أربعة عوامل تضافرت لصناعة هذا النجاح، راشفورد واحد منها.
بداية الفهم هي أن راشفورد مواطن تخلص من فكرة العار، وتحدث عن الفقر بمصداقية، تحدث عن حياته طفلاً فقيراً، وعن والدته التي نهضت بتربيته منفردة دونما أب، وعن أنه كان واحداً من هؤلاء المليون ومائتي طفل في المملكة المتحدة الذين يسجلون أسماءهم لتلقي وجبة مجانية في المدارس؛ الحديث الشخصي الصادق لراشفورد هو العمود الأول في بناء حملته ونجاحها.
كان راشفورد بليغاً عندما ذكر الصحافة التي احتفلت بهدفه الذي أخرج باريس سان جيرمان من بطولة كأس أبطال أوروبا أن فريقه في النهاية لم يحصل على البطولة؛ قطع مرحلة، ولكنه فشل في حمل الكأس. وكذلك هو الحال في مكافحة الفقر، تلك هي البطولة التي يود الشاب أن يحمل كأسها، بطولة القضاء على الفقر. وبالفعل، الفقر هو الجائحة الأكبر في العالم، وقد كتبت في هذه الصحيفة في بداية جائحة «كورونا» أن الفقر والجوع هما الوباء الأول في هذا العالم (وللجوع لقاح، «الشرق الأوسط»، 20 مارس/ آذار 2020). الجوع يقتل تسعة ملايين سنوياً، معظمهم من الأطفال.
مصداقية التجربة الشخصية للاعب الإنجليزي الذي لم يخجل من بداياته طفلاً فقيراً، ومصداقية عمله - لا كلامه - في مواجهة الفقر بعد أن أصبح لاعباً مشهوراً، هي التي أعطت رسالته الزخم المطلوب. هذا هو العامل الأول الأساسي في نجاح الحملة، ولكن هل المصداقية وحدها تكفي؟
العمود الثاني الذي ثبت رسالة ماركوس راشفورد وجود جمهور واسع يتسم مزاجه بالعدل، بصفته فكرة أساسية، فهو من أيد هذه الرسالة ودعمها. الفكرة قد تجهض ما لم يكن هناك جمهور يتلقى الرسالة ويقف خلفها. في المجتمعات الديمقراطية التي أساسها جمهور الناخبين، يكون دعم الجماهير لأي فكرة هو الأساس لاستجابة الحكومة ونواب البرلمان، إذا أرادوا العودة إلى مقاعد الحكم مرة أخرى. فرفض البرلماني أو رئيس الحكومة لمطلب شعبي يجعلهما يخسران الانتخابات في المرة المقبلة، وهذه مقامرة أو مخاطرة لا يستطيع أي منهما تحمل تبعاتها إذا ما فشلت. الجمهور الذي صدق رسالة ماركوس ودعمها كان أساسياً في نجاح حملته لإجبار الحكومة على تغيير سياستها.
العمود الثالث في تثبيت خيمة رسالة ماركوس لصالح الأطفال الفقراء هو إعلام بريطاني يناقش ولا يشوه؛ ناقش الإعلام البريطاني رسالة اللاعب الإنجليزي، ولم يتهمه بالعمالة لأجندة أجنبية، خصوصاً في سياق المظاهرات التي انطلقت بعد أن قتل البوليس الأميركي في ولاية مينيسوتا الشاب الأسود جورج فلويد. فلم ير الإعلام البريطاني ماركوس راشفورد لاعباً أسود، ولم يضع حملته ضمن سياق جورج فلويد، بل رآها حملة ضد الفقر، ولصالح الأطفال الفقراء الذين كان راشفورد واحداً منهم. لم يتهم الإعلام البريطاني راشفورد بأنه عميل لجهة أجنبية يريد إسقاط الحكومة، ولم يتهمه أحد بأنه طالب شهرة، ولم يشهر الإعلام بفقره، ولم يتطرق إلى الحديث عن والدته إلا بإعجاب وفخر برحلة كفاحها لتربي لاعباً بهذه القوة الأخلاقية العالية. الإعلام كان داعماً لحملة راشفورد لصالح الأطفال الفقراء، ولم يكن أبداً مشككاً في نواياه.
وأخيراً، كان العمود الأساسي في نجاح الحملة هو وجود حكومة تستحي من سياساتها أمام شعبها، وتستجيب للنداء، وتخصص المبلغ المطلوب لوجبات الأطفال الفقراء. وتستجيب الحكومات والبرلمانات في الأنظمة الديمقراطية لمطالب شعبها ليس لمجرد كرم أخلاق من القائمين على الحكم، برلماناً وحكومة، ولكن لأنها ملتزمة بمطالب من أتوا بها إلى مقاعد الحكم. فإن لم تستجب الحكومة، أو لم يستجب البرلمان، لمطالب من انتخبوهم، فمصيرهم الشارع في الدورة المقبلة من الانتخابات. في الديمقراطيات، الحكومات تستحي أو تخاف على بقائها فتستجيب. أما في الديكتاتوريات التي لم تأتِ بها أصوات الانتخابات إلى الحكم، بل فوهة البندقية، فلا جميل لأحد عليها، وهي ليست مضطرة للاستجابة لمطالب شعب لم ينتخبها.
فماذا لو كانت حملة راشفولد ضد الفقر عندنا؟ هل كانت ستنجح؟ اللاعب في بلادنا يخجل من الحديث عن تجربة الفقر، فنحن مجتمعات يحكمها العار، وترى الفقر عاراً. ومن هنا، لم يكن لنا أن نصدق رسالة كرسالة ماركوس راشفولد لأنها ستفتقد مصداقية التجربة الشخصية. أيضاً، لم يكن للإعلام الخاضع للدولة بمعظمه أن يؤيد هذه الرسالة دونما التشكيك في النوايا، ومحاولة التشويه من قبيل: هل ينتمي ماركوس إلى تنظيم ما؟ وهل تموله جهة ما لإحراج الحكومة؟ وما دوافعه؟ هل لأنه فشل في الملعب يريد أن ينجح اجتماعياً؟ واللافت للنظر أن الجمهور ينساق وراء هذا التشويه، ويصدق حكاية الإعلام. والحكومات طبعاً، في سياق مختلف، لا يعنيها اللاعب أو جمهوره، لأنهم ليسوا من أتوا بها إلى الحكم.
دعوة ماركوس راشفولد تنجح في بيئتها لأنها نتاج هذه البيئة المختلفة التي تحمل هذه الدعوة على أسس متينة، ولن تنجح عندنا دعوات مماثلة لأنها ستكون بنياناً بلا أعمدة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا نجحت حملة راشفورد لماذا نجحت حملة راشفورد



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:14 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
  مصر اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 15:26 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز "غلوب سوكر"
  مصر اليوم - رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز غلوب سوكر

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 14:07 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"يوتيوب" يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي
  مصر اليوم - يوتيوب يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon