توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماذا جرى للستر في عالم الفضح؟

  مصر اليوم -

ماذا جرى للستر في عالم الفضح

بقلم - مأمون فندي

ماذا جرى لمفهوم الستر في عالم الفضح و«السوشيال ميديا»؟ مفهوم الستر عند العرب هو مفهوم متعدد المعاني والدلالات، ففيه من معاني التغطية مقابل معاني الكشف والفضح، (يا صاحب السر منا لا تكشف الستر عنا). ومن معانيه الستارة والحجب، وفيه أيضاً من معاني السر مقابل الجهر، وهنا بُعد ديني يخص الجهر بالمعاصي أو البلوى، في سياق: «إذا بليتم فاستتروا»، ومع ذلك فليس كل الجهر معصية، فالجهر المحمود له مكانه: «وأما بنعمة ربك فحدث».
وللستر أبعاد ثقافية ودينية واجتماعية تكاد تكون كالبصلة، قشرة فوق قشرة، وطبقات بعضها فوق بعض. وظني أنه مفهوم فيه خصوصية عربية يندر وجودها في الثقافات الأخرى بالمعنى الواسع والشامل.
عالم «السوشيال ميديا» الجديد، وخصوصاً في ظاهرة «إنستغرام» و«سناب شات» و«تيك توك» و«يوتيوب» جعل من الفضح سلعة يمكن بيعها، ولها تسعيرة مادية، ومن هنا ننتقل إلى ثمن الفضح (monetised) الاجتماعي.
في هذا العالم الجديد، الإنسان هو من يفضح أحواله ولا يحتاج لمن يفضحه، ومع ذلك رغم ازدياد الفضح الشخصي فإن الفضح فيما هو عام في مجالات السياسة والاقتصاد يتناقص كثيراً، لدرجة أن التغطية الصحافية أصبحت حرفياً وسيلة تغطية لا وسيلة كشف.
في عالم تجاوز مفهوم الستر في الخاص أيضاً، حدث ما يمكن تسميته «تطبيع الفضيحة»، أي أن الفضيحة الشخصية لم تعد تلفت الأنظار، ولا بد من أن تصل لمستويات قصوى حتى تصل إلى مستوى «الترند»، كتقطيع جسد امرأة في العلن، مثلما حدث في فتاة المنصورة نيرة أشرف التي قطع زميلها رأسها أمام بوابة الجامعة، وكذلك مقتل فتاة أخرى (سلمى بهجت) الأسبوع الفائت في مدينة الزقازيق (محافظة الشرقية). فقط بالتطرف في القتل، والتفنن في لفت الأنظار، يمكن أن يكون الفضح متجاوزاً لما هو مطبع، ويمكن أن يصل إلى مستوى «الترند». فبدلاً من تسابق المجتمعات في البحث عن الستر، دخلنا مرحلة البحث عن الفضح. القتل في العلن وما دونه لا يلفت الأنظار. وفي كلتا الفضيحتين السابقتين (الجرائم) لا الصحافة قامت بالاستقصاء المطلوب، ولا البوليس والبحث الجنائي شرح الأسباب، ولم يكن هناك تدخل استباقي لمنع الجريمة. ومن هنا يمكن القول إنه حتى الأجهزة الأمنية تم تخدير عقلها، لترى أن القتل بهذه البشاعة أصبح طبيعياً ولا يحتاج إلى تفسير.
الستر في بعضه ما زال موجوداً فيما يمكن تسميته «الستر الانتقائي» في إطار: «اللي يحبك يبلع لك الزلط واللي يكرهك يتمنى لك الغلط»، أي أننا نفضح ما نريد ومن نريد، ونغطي من نريد وما نريد.
فكم ممن أجرموا يمشون في الأرض دونما أن يلفتوا نظرنا؛ لأننا قررنا جميعاً أننا تجاوزنا الحادثة، فقد يحاكم فرد ويخرج بعفو صحي، ثم يمارس حياته بكامل اللياقة، وقد نسي المجتمع الجريمة. وهذا النوع من المؤامرة الاجتماعية على الستر أو غض الطرْف، يتسيد المشهد في عالم «السوشيال ميديا» الجديد الذي يكون الفضح لا الصمت هو الأساس.
نظن أحياناً أن الغطاء في رمزية غطاء الرأس عند المرأة هو التيار الجارف، وأن الفضح ينحسر، ولكن من يراقب «السوشيال ميديا» يرى بوضوح أن الفضح والتغطية أو الستر يعملان معاً، وبالقوة ذاتها، كحالة طفلين ملتصقين. فقط نلاحظ ما هو مركز لاهتماماتنا؛ سواء أكانت التغطية أو الفضيحة.
موضوع الستر في عالم «السوشيال ميديا» بشقيه الخاص والعام، يحتاج إلى حوار في مجتمعاتنا من مداخل مختلفة: ثقافية، واجتماعية، وسياسية، وحتى دينية. نحتاج إلى حوار حول «تسليع» النفس، وحول «سوقية» العرض الكاذب الذي يقدمه البعض.
المشكلة هي ليست في الستر والفضح، ومَن ينتج هذا المحتوى السوقي، ولكن المشكلة أيضاً في المستهلك لهذا المحتوى. ونحن جميعاً مذنبون في الاستهلاك السيئ، ولولا وجود مستهلك للسلع السيئة لتوقف أصحابها عن إنتاجها.
الستر بالمعنى القديم والدلالات الأوسع تغيرت معانيه في هذا العالم الجديد، ونحن جميعاً مطالبون بالتأمل العميق، ومتابعة هذا التغير الذي يحدث للمفاهيم الأساسية لثقافتنا، حتى لا نجد أنفسنا نسبح في ماء تلوث كله، ونحن آخر من يعرف.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا جرى للستر في عالم الفضح ماذا جرى للستر في عالم الفضح



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon