توقيت القاهرة المحلي 02:08:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مرآة غزة

  مصر اليوم -

مرآة غزة

بقلم - مأمون فندي

حملت غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) مرآتها، ليرى الفلسطينيون أنفسهم فيها، ولترى كذلك المنطقة نفسها في هذه المرآة، ويرى العالم نفسه أيضاً كما هو على مستويات متعددة، ثقافية وأمنية واستراتيجية.

وأبدأ بالعالم قبل المنطقة، وخصوصاً القوى العظمى من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من ناحية، ثم الصين وروسيا وتابعيهما من ناحية أخرى. بدا العالم الأكبر وكأنه قادم من عالم الشاعر الآيرلندي ويليام بتلر ييتس W.B. Yeats في قصيدته الأشهر القدوم الثاني (للمسيح) The Second Coming؛ حيث «الصقر يحوقل في الدائرة الواسعة ولا يصغي للصقار، والأشياء تتداعى، والمركز ينهار ولا يقوى على الصمود، ولا شيء سوى الفوضى تلف العالم».

كان واضحاً في التصويت الأول والثاني في مجلس الأمن على مشروع قرار قدمته البرازيل من أجل هدنة إنسانية، أن مركز العالم مختل... تصويت تعترض عليه 4 دول كبرى في التصويت الأول، و«فيتو» أميركي في الثاني. ويأتي رئيس أكبر قوة في العالم إلى إسرائيل، ومن قبله أرسل بوارجه الحربية من أجل القضاء على منظمة اسمها «حماس»، بحشد يشبه ذلك الذي حشدته أميركا لضرب العراق عام 2003. تأتي أميركا إلى المنطقة بعد هجران، وبعد أن تركت فقط قيادتها المركزية محدودة القدرات في الشرق الأوسط، وتوجهت صوب الأطلسي وصوب أوكرانيا، تعود الآن إلى المنطقة بعد أن «استدعتها» منظمة صغيرة بحجم «حماس» و«كتائب القسام». ودوماً في تاريخ الإمبراطوريات، عندما ينهار المركز تحدد القوى المحلية مهما كان صغرها ملامح المشهد، فالصقر ابتعد كثيراً عن الصقار. وتدور الرحى كما يقول ييتس في قصيدته.

جاء وزير خارجية أميركا وحام حول المنطقة، وليس لديه مفهوم جديد ينظم الأمن الإقليمي بعد أن تتوقف البنادق، كما كانت حال جورج بوش الأب بعد تحرير الكويت الذي جاء ومعه وزير خارجيته جميس بيكر ومعهما مفهوم أوسع، انعقد حوله مؤتمر مدريد للسلام، والذي تبعته مجموعة مبادرات كانت الأخيرة منها «اتفاق أوسلو».

ولكن هذه المرة جاء بايدن ومعه بلينكن، ويعلن بايدن عن صهيونيته القديمة التي أعلنها في الثمانينات، وهو عضو شاب بالكونغرس الأميركي. لا مفاهيم حاكمة، ولا حتى ضمادات جروح، فقط تأييد غير مشروط لإسرائيل، وبذلك تكون غزة قد حملت المرآة لأميركا لكي ترى نفسها فيها، وترى تلك الفجوة بين قيمها المدعاة وبين ممارساتها على الأرض، فلم يكن شعار أميركا ذلك «النور على التل»، لهداية البشرية إلى الحرية وحق تقرير المصير في رؤية وليبيون، لم يكن هذا الشعار سوى ظلام على أهل غزة وضرب لمستشفياتها، وتقطيع لأشلاء أطفال بقي بعضها في أحذيتهم الصغيرة.

مرآة غزة عرّت الثقافة الفرنسية لإيمانويل ماكرون، وفضحت أن الأخوّة الإنسانية والحرية والمساواة مجرد شعارات فرنسية لم تصمد أمام الاختبار الفلسطيني... ولم يك فولتير أو مونتسكيو أو روسو أو حتى فوكو إلا واجهات مزخرفة لبيت خرب من داخله.

مرآة غزة كشفت للألمان الداعين إلى فكرة الترانسفير (الترحيل) ونقل أهالي غزة إلى سيناء، أنه ما هو إلا ترحيل لذنوب ألمانيا التي ارتكبتها بحق اليهود في المحرقة، إلى عالم العرب الذين لم يكونوا طرفاً في ذاك الجرم الذي يمثل عار الإنسانية في نسختها الألمانية.

مرآة غزة كشفت لريشي سوناك أن حساسية الأقلية عندما تحكم لا تختلف كثيراً عن حكم الأغلبية، وأن غاندي ما هو إلا نوستالجيا الوطن الأم القديم، هو مجرد وردة في عروة جاكيت رئيس وزراء بريطانيا للزينة، وليس شعاراً ضد الظلم.

مرآة غزة كشفت لإسرائيل عورة استخباراتها اليقظة دائماً، وجيشها الذي لا يُقهر، وأن لا يقظة هناك، وأن الجيش الذي لا يقهر اصطاده شباب وهو في غفوة من أمره، أو أنها حقيقته التي بانت للداخل الإسرائيلي أكثر مما بانت للخارج. ولهذا قرر الجيش الذي لا يُقهر أن يصب حممه من الجو على شعب أعزل في غزة، كل هذا لأن المركز انهار، أو أن اهتمام المركز تحول إلى أوكرانيا. إن الصقر لا يسمع الصقار كما قال الآيرلندي ييتس، أو ربما لأن الفتية قالوا في السابع من أكتوبر الجاري ما قاله الشاعر الفلسطيني الأشهر محمود درويش: «لا شيء يكسرنا، وتنكسر البلادُ على أصابعنا كفُخَّارٍ».

أما ما كشفته مرآة غزة للفلسطينيين والمنطقة، فهو حديث نكمله في مقال قادم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مرآة غزة مرآة غزة



GMT 09:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 09:30 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب «الجيل الرابع» تخوضها إسرائيل في لبنان!

GMT 09:28 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الرياض... بيانٌ للناس

GMT 09:27 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الجملة التي أبطلت مقترح قوات دولية للسودان!

GMT 09:24 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

مستر أبو سمبل!؟

GMT 09:22 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة الرئيس المنتخب أم الفوهرر ترمب؟

GMT 09:21 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة بدأت في الرياض

GMT 09:20 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

مسعَد بولس بعد وعود ترمب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:14 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
  مصر اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك
  مصر اليوم - الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 14:07 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"يوتيوب" يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي
  مصر اليوم - يوتيوب يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا

GMT 09:43 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كباب بالزعفران
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon