توقيت القاهرة المحلي 22:46:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شرعية الإنجاز

  مصر اليوم -

شرعية الإنجاز

بقلم: مأمون فندي

«شرعية الإنجاز» ربما هي التفسير الوحيد الذي توصل إليه علماء السياسة لتفسير حالة الاستقرار السياسي في الصين ما بعد ماو تسي تونغ. في المقال السابق كتبت أن «الصين وصلت لنظام ديكتاتوري متميز يخص سرعة اتخاذ القرارات، ديكتاتورية شرعيتها الإنجاز وهي أخطر أنواع الديكتاتوريات، عندما يكون للديكتاتور إنجازات على الأرض، ليست دعاية كدعايات غوبلز وهتلر. الديكتاتورية التي تجعل من الإنجاز أساس شرعيتها يمكن لها أن تكون منافساً حقيقياً للنظام الديمقراطي الذي يعد البطء في اتخاذ القرارات إحدى سماته». «وكانت فكرة شرعية الإنجاز مدفونة في المقال السابق الذي كان مهموماً بالمعركة على المستقبل بين شركة هواوي الصينية وأبل الأميركية».
بعد نشر المقال اتصل بي الدبلوماسي الأشهر الصديق العزيز الأستاذ عمرو موسى، وزير خارجية مصر الأسبق والأمين العام للجامعة العربية الأسبق أيضاً، قائلا: «لا بد من مقال كامل لموضوع شرعية الإنجاز، لأنها فكرة جديدة تستحق»، واستجابة لرغبته أركز في هذا المقال على شرعية الإنجاز كبديل للشرعية الآيديولوجية في الأنظمة المغلقة، والتي تعد الصين مثالها الأبرز والأكبر والأهم، وذلك لكونها الدولة المنافسة على قيادة العالم في السنوات المقبلة.
منذ ثمانينات القرن الماضي وفي صين ما بعد ماو كما تعرف الآن اتبعت قيادة الحزب الشيوعي الصيني استراتيجية شرعية الإنجاز كبديل عن شرعية آيديولوجيا ماركس ومن بعده ماو.
اتبعت الحكومة الصينية سياسة الأهداف المحددة وتعديل السياسات بصفة عاجلة عندما تفشل في تحقيق الأهداف، خصوصاً التنموية منها ليحس المواطن الصيني بأن هذه الحكومة تعمل من أجله، ويتدارس الغربيون مثلاً نموذج الإنجاز الصيني في مجال الصحة كواحدة من قصص النجاح العالمية فيما يخص شرعية الإنجاز. المرونة في تعديل السياسات، وكذلك السرعة في تلبية متطلبات المجتمع تجعلان المجتمع والدولة في الصين يصلان لصيغة التوازن والاستقرار اللذين تشهدهما الصين منذ عقود.
شرعية الإنجاز الصينية دعمتها الثقافة الأخلاقية للمجتمع الصيني ethics التي ترى في الإنجاز التزاماً أخلاقياً قبل أن يكون سياسياً.
ماذا تعني شرعية الإنجاز بالنسبة لمجموعاتنا بعد نهاية آيديولوجيا الوطنية في دولة ما بعد الاستعمار وفشل الآيديولوجيا الإسلاموية في نماذجها الشيعية (إيران) والسنية (السودان) في تقديم بديل يحافظ على تنمية المجتمعات واستقرارها؟
لم يعد أمام القادة في منطقتنا سوى التنمية البشرية وتقديم الخدمات للمواطنين بشكل مميز (أفضل نماذجها الإمارات الآن والخليج بدرجات متفاوتة) كبديل للآيديولوجيا.
لم يعد المواطن العربي اليوم يهتم بالآيديولوجيا كبديل عن الإنجازات التي تحقق له الرفاهية، لم تعد فكرة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» والمواجهة الوهمية مع إسرائيل تكفي لإلهاء المواطنين عن قضاياهم اليومية، ولم يعد الحجاب وغطاء جسد المرأة الهاجس الأول، اليوم المجتمعات تبحث عن الإنجاز في المجال الصحي والتعليمي والاقتصادي قبل السياسي، تغفر تجاوزات السياسة إذا كان هناك إنجاز في المجالات الصحية والتعليمية والاقتصادية.
الدولة التي يمكن أن تتعرض لهزات اجتماعية اليوم هي الدولة التي تفشل في تنمية البشر وتقديم الخدمات، أزمة الشرعية لم تعد أزمة قبول آيديولوجيا النخب الحاكمة، بل أزمة قبول إنجازاتهم كعامل يحقق الرضا الاجتماعي.
ومن هذا المنطلق يمكن القول إن الأنظمة التي تفشل في تحقيق إنجازات ملموسة لدى المواطنين قد تعاني الاضطرابات عاجلاً أم آجلاً، إذ لم يعد الإعلام كافياً لتغطية عورات الحكم، ولم تعد رفاهية الشاشات كافية كبديل عن رفاهية الواقع. العالم الفضائي لن يغطي عورات العالم الواقعي.
لذا يجب علينا دراسة النموذج الصيني في شرعية الإنجاز، خصوصاً أن موضوع الديمقراطية في عالمنا العربي هو طريق طويل جداً وصعب التحقيق على الأقل في حياة جيلنا، ولهذا أسباب كثيرة أولها أن الثقافة العربية من المنزل إلى المدرسة إلى الإعلام لا تسهم في بناء الشخصية الديمقراطية التي تقبل إدارة الاختلاف كوظيفة أولى للسياسة، وهذا موضوع يطول الإسهاب فيه، ولهذا ومن منطلق براغماتي وعملي ليس أمام الدولة في منطقتنا سوى اعتماد الإنجاز كشرعية أساسية لاستقرار نظام الحكم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شرعية الإنجاز شرعية الإنجاز



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 18:02 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
  مصر اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم الدشاش

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 06:04 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 31 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 14:18 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

من أي معدن سُكب هذا الدحدوح!

GMT 21:19 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تربح 7.4 مليارات جنيه ومؤشرها الرئيس يقفز 1.26%

GMT 21:48 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon