بقلم: د. جبريل العبيدي
السباق نحو قصر قرطاج والرئاسة التونسية، يحظى بمتابعة كبيرة من العديد من الأطراف، عبر مناظرات تلفزيونية هي الأولى في الوطن العربي، تتمحور حول ثلاثة محاور تتعلق بصلاحيات الرئيس، وهي: الدستور، والدفاع والأمن القومي، والسياسة الخارجية، احتلت فيها عبير موسي الاهتمام الأول في مقابل عدم إقناع لمهدي جمعة، وتراجع عبد الفتاح مورو، رغم محاولات الأخير الظهور بمظهر يختلف عن الشيخ الخطيب والمنظر، القادم من بين دفاتر كتب تختلف في التاريخ والجغرافيا والتوقيت عن الواقع، إلا أن إجابات مورو لم تخرج عن دائرة شيخ الجماعة ومنظرها الأبرز.
مورو، مرشح جماعة «الإخوان»، تحت عباءة حركة «النهضة»، الذي ظهر في المناظرة التلفزيونية لا يعرف تعداد سكان بلاده، وأخطأ في عدد المهاجرين منهم في فرنسا، الأمر الذي وصفه الكثيرون بأنه بسبب بعده عن الواقع، خصوصاً بعد الجدل الكبير حول تعيين زوجة ابن مورو قنصلاً في باريس، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات حول التعيينات، وعلى أي أساس تُبنى وما موقع الكفاءة فيه من الإعراب؟! الأمر الذي يجعل التساؤل مباحاً، هل يستطيع أن يكون رئيساً لجميع التونسيين، لو فاز بقصر قرطاج، أم سيكرر سيناريو مرسي العياط في مصر، ويصبح رئيساً لجماعته وقرابته؟
الأمر ليس سهلاً، فكيف سيتصرف في وجود الجماعة وتأثيرها، ووجود بيعة في عنقه لمرشد الجماعة، وهي بيعة تفرض طاعة عمياء للمرشد توصف في كتب «الإخوان» بأنها كطاعة الميت للمغسل، الأمر الذي يجعل من الرئيس المفترض رهينة لإرادته، التي هي تمثل إرادة الدولة.
مرشح «النهضة»، وإن حاول الظهور في مناظرة تلفزيونية بأنه يجاري متغيرات العصر، وأنه يسعى لمدنية الدولة، لدرجة أنه طالب بتشكيل جيش رقمي، وقال: «إننا مسكنا الإرهاب في عقر داره»، دون أن يقول لنا ما يقصد بقوله «إننا»، وأين هي دار الإرهاب، ومتى كان ذلك، في ظل اتهامات لحركة «النهضة» وجَّهها سياسيون، وكذلك الجيش الليبي، بدعم الميليشيات وزعزعة الاستقرار في ليبيا، وتصريحات ومجاهرة لقيادات الحركة بدعم نظرائهم في ليبيا من جماعة «الإخوان» في ليبيا.
مورو الذي ترأس جلسة البرلمان في التصويت على القانون الانتخابي، في وجود مطالبة البعض له بالتنحي جانباً، وترك رئاسة الجلسة لنائبه، خصوصاً وهو مرشح للرئاسة، كان ينبغي عليه التنحي جانباً، كما فعل مرشح الرئاسة يوسف الشاهد، الذي فوض بعض سلطاته لوزير آخر.
في سباق قصر قرطاج، كان ظهور منصف المرزوقي، باهت الخطاب، محشواً باللغة والمفردات الخشبية، المتكررة، بل والتناقض، حين دعا المرزوقي إلى النأي بتونس عن الصراعات، بينما واقع حاله يكذب قوله، فهو بالأمس القريب يجاهر بالتدخل في الأزمة الليبية، وويشكك في دور الجيش الليبي، حيث قال: «إذا سقطت طرابلس في أيدي القوات التابعة لحفتر، فإن شرارة الحريق ستنتقل إلى تونس، وما وراءها، لتهدد الأمن القومي المغاربي»، الأمر الذي يعتبر تدخلاً سافراً في الشأن الليبي، بينما ما يسميها المرزوقي «قوات حفتر» ما هي إلا قوات الجيش الليبي المعترف به من السلطة الشرعية في ليبيا، مجلس النواب، ومن يدافع عنها المرزوقي في طرابلس هي ميليشيات الإسلام السياسي. المرزوقي يضلل نفسه بنفسه، وهو الذي لم يستطع أن يعطي أي قراءة يمكن التعويل عليها، رغم أنه رئيس سابق، من المفترض أن له خبرة ولو بدائية، ولكنه ظهر في المناظرة التلفزيونية باهت الخطاب ضعيف الحضور والكاريزما، التي اختطفتها منهم جميعاً عبير موسى.
في مناظرة سباق قرطاج، كان كرسي رجل الأعمال نبيل القروي فارغاً، لوجوده في السجن، بتهمة غسل أموال، وغرد على صفحته قائلاً: «حرموني هذه الليلة من حقّي الدستوري للتعبير أمام الشعب التونسي. ويجرؤون على الحديث عن انتخابات شفافة وديمقراطية في غياب مبدأ أساسي وهو التساوي في الحظوظ».
سباق قرطاج مستمر، ولكن يبقى الخيار والكلمة للشعب التونسي، الذي ستمكنه تجربته السياسية من اختيار يجنبه ويجنب تونس، سياسة المحاور، وتَحول تونس إلى ولاية تابعة للمرشد، بتكرار سيناريو مرسي العياط بنسخة تونسية.