بقلم - د. جبريل العبيدي
رغم مرور السبع العجاف على فبراير (شباط)، وتحول ليبيا إلى شبه عصف مأكول، فإن الأمل في عودة ليبيا للحياة، لا يزال قائماً بعد نهوض الجيش الليبي من تحت الرماد، بعد أن ردمته ضربات حلف الناتو، مما تسبب في دمار شامل للبنية التحتية لمعسكرات الجيش الليبي وقواعده. لقد ارتبط فبراير ليبيا بالأوجاع والدماء والتهجير والنزوح لليبيين، تسببت فيها ميليشيات الإسلام السياسي، التي خرجت من تحت عباءة تنظيم الإخوان الإرهابي.
حال ليبيا الآن أن مواطنها يعيش مثقلا بالديون، وانهيار المنظومة الصحية، وفشل إدارتها في التحصين من الأمراض، ومعالجة ما طفح منها، حتى انتشرت الأوبئة، ومنها الليشمانيا والدرن، التي تهدد بكارثة صحية غير مسبوقة، في ذكرى حراك فبراير ليبيا، المدعوم بحلف الناتو، الذي أسقط الدولة الليبية وليس فقط نظام القذافي وقتله.
في ذكري فبراير سيبقى جدل من قتل القذافي وأين أخفي جثمانه؟ سؤالا بلا إجابة وعائقاً أمام المصالحة الوطنية، لغموض مقتله، بين إعدامه وقتله متأثراً بجراحه، في 20 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2011، بعد أسره حياً، كما أظهرت الفيديوهات المسجلة للعملية بعد ضرب موكبه الهارب من جحيم سرت متجهاً نحو وادي جارف، فتعرض لضربات طيران الناتو كما جاء في اعترافات كبير حرسه المرافق له الجنرال منصور ضو.
مقتل القذافي وابنه بعد أسرهما حيين، وسحلهما والتمثيل بجثمانيهما، وعرضهما للفرجة للجمهور لأيام عدة، يعتبر عملاً غير أخلاقي، حيث ألقي جثمان القذافي في براد للحوم في مدينة مصراتة، الأمر الذي يعتبر منافياً للقيم والأخلاق الإنسانية، ويعتبر مجاراة ومحاكاة للظلم، ثم تم إخفاء جثمانيهما في رمال الصحراء، رغم مطالبات أرملة القذافي بتسلم الجثمانيين، بوصفه حقا قانونيا وإنسانيا لها، ولكنه قوبل بالرفض والتعنت، الأمر الذي يتطلب مباشرة التحقيق الجنائي لتحقيق العدالة حتى للظالم أو الديكتاتور، فالقضية أخلاقية، وليست عملية تنافسية في منهج الظلم.
شركاء مقتل القذافي كثر وفق روايات متعددة، رغم أن الفيديوهات المسربة لأسر القذافي وابنه المعتصم أظهر أسرهما حيين من قبل كتائب تابعة لمدينة مصراتة، وأظهرت تعرض القذافي للسخرية والإهانة الجسدية.
المشهد الدموي لمقتل القذافي، رغم عهده الدموي والمثقل بالدماء، حيث نصب المشانق للمعارضين والإعدام خارج القانون، لا يتبعد كثيراً عن مثل هذه المشاهد الدموية. إلا أن العدالة تتطلب محاكمة من قتل القذافي وابنه، وهما في الأسر، لأن هذا مخالف لتعاليم الإسلام ولجميع القوانين والأعراف.
من الواضح أن القذافي وابنه الأسيرين تم تصفيتهما من قبل مقاتلين ليبيين غاضبين، وقد يكون هؤلاء المقاتلون نفذوا ما دعا إليه أمير قطر السابق حمد في تسجيل مسرب بطلبه من المقاتلين الليبيين قتل القذافي فور القبض عليه، والتنكيل به، كما اتهمت اللجنة الوطنية الليبية لحقوق الإنسان أمير قطر السابق حمد بن خليفة بالضلوع في قتل القذافي ونجله المعتصم بالله، بعد أسرهما، الأمر الذي يجعله شريكاً في الجريمة، وكانت وزيرة خارجية أميركا هيلاري كلينتون قد تنبأت في حديث مسرب بمقتل القذافي خلال 48 ساعة، وهذا ما حدث بالساعة والدقيقة والثانية، مما يطرح كثيرا من علامات الاستفهام حول مقتل القذافي، وأنه كان حكم إعدام مع سبق الإصرار والترصد للتخلص من القذافي، وامتداد نفوذه في أفريقيا، وفقدان الفرنسيس نفوذهم فيها رغم التاريخ الاستعماري الطويل، وأيضاً لإخفاء ملفات عمرها خمسون عاماً من عهد الرئيس نيكسون قد تشمل تورط أطراف دولية.
غموض مقتل القذافي وابنه في ظل مطالبات خجولة جداً ممن يتمسحون بعباءة العدالة وحقوق الإنسان، الأمر الذي يجعلهم شركاء الصمت في مقتل القذافي وابنه في مهرجان القتل الذي أقامه هؤلاء المقاتلون، مما تسبب في انطلاق أيديهم في المزيد من القتل، وإقامة المهرجانات له ما داموا في مأمن من العقاب.
واليوم في ذكرى فبراير لم يتحقق شيء، لا الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة، ولا تحقق الرخاء والأمن والأمان، كما ردَّد عرابو فبراير، بل تحولت ليبيا إلى مكب من الجثث، والضحايا، من دون وجود بواكٍ لهم أو عليهم في مجلس الأمن.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع